إن الله سبحانه أمر الصائم أن يترك عدداً من المنهيَّات عنها مبيِّناً أنه إن لم يترك هذه المنهيَّات عنها فإنه لا حاجة به إلى ترك الطعام والشراب. وبعبارة أخرى: إنْ من لم يترك هذه المنهيَّات عنها فإنه لا حاجة به إلى الصيام، إذ عبِّر الحديثان عن الصيام بترك الطعام والشراب.
فالحديثان يقرران أن الصيام هو ترك الطعام والشراب، ويطالبان مَنْ تركهما - أي من صام - بترك الزور وغيره، فمن صام وجب عليه أن يترك هذه المنهيَّات عنها، وهذا يعني أن ترك المنهيَّات عنها غير الصيام، فالصيام ينعقد بترك الطعام والشراب، وإذا انعقد الصيام فإن المطلوب معه تركُ هذه المنهيَّات عنها.
...وبذلك يظهر أن هناك مغايرة بين ترك الطعام والشراب، وبين ترك الزور وغيره، تركُ الطعام والشراب يُوجدان الصيام، بينما ترك الزور وغيره مجرد منهيَّاتٍ عنها في أثناء الصيام. وبذلك يظهر جلياً أن قول الزور وغيره ليس كتناول الطعام والشراب، ومن هذه المغايرة نخرج بالحكم: أَنَّ قول الزور وغيره لا يُسقط الصيام ولا يبطله، وإنما هو محظورٌ فحسب ينبغي للصائم أن يتركه، والفرق واضح بين المبطلات والمحظورات.
...وإن الحديث الخامس الذي يقول (الصوم جُنَّة ما لم يخرقها) والذي ذكر أن الغِيبة والكذب يخرِقانها يدل على ما ذهبنا إليه. وذلك أن خرق الجُنَّة، أي الترس، لا يعني تلفَه بالكلية، وإنما يعني إلحاقَ نقصٍ وأَذى فيه، وهذا يعني أَن الغِيبة والكذب يُلحقان بالصوم نقصاً كما يُلحق الخرق والثقب بالترس نقصاً وأذى، دون أن يصل هذا وذاك إلى حدِّ الإبطال والإتلاف التام.