وبذلك تبقى عندنا الحقيقة الثابتة وهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعد يعلم متى ليلة القدر بعد أن أَنْساه الله إياها، وأن ذلك قد أراده الله وقضاه لخير المسلمين كما جاء في رواية عبادة بن الصامت بند ٣ (فرُفعت وعسى أن يكون خيراً لكم) وما دام أنَّ الخير هو في رفع ليلة القدر وعدم تحديدها، فلماذا يُجهد الفقهاء أنفسهم في تحديدها!؟ ولماذا يرفضون الخير لأنفسهم وللمسلمين!؟ ثم لماذا لم يتوقفوا عند قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه أبو ذرٍّ رضي الله تعالى عنه في البند الأول من مجموعته (إِن الله لو شاء لأطلعكم عليها) !؟ وهل بعد مشيئة الله سبحانه تبقى مشيئةٌ لأحدٍ من البشر!؟
تاسعاً: نأتي الآن للروايات المروية من طريق عبد الله بن عمر رضي الله عنه: الروايات عنه عند البخاري ومسلم (... فلْيتحرها في السبع الأواخر) وعند مسلم فقط (أرى رؤياكم في العشر الأواخر، فاطلبوها في الوتر منها) و (التمسوها في العشر الأواخر ... فلا يُغلبن على السبع البواقي) فهي مترددة بين العشر الأواخر والسبع دون تعيين ليلة معينة لليلة القدر، وهذا هو الشائع الذي يكاد أن يبلغ حد التواتر، وهو أن ليلة القدر في العشر الأواخر، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم بقي يعتكف طيلة العشر الأواخر يلتمسها فيها حتى توفاه الله تعالى، لحديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم (١) في الأحاديث المتفرقة، مما يدل دلالة واضحة على استمرار هذا الحكم وعدم نسخه.