...وأما مالك والشافعي وأحمد ومن معهم فإن هذا الحديث أيضاً يرد عليهم قولهم إذ قد أوجب هذا الحديث زكاةَ الفطر على الفقير دون أن يحدِّدَ قدر الفقر لديه، أي جاء الحكم عاماً في الفقر، فلا يجوز تخصيصه بالعقل، أو بالقياس على من يسأل الناس ويستجدي، فهذا باب وذاك باب آخر.
...ومن جهة ثانية أقول إن حديث سهل بن الحنظلية قد ذكر أن مَنْ مَلَكَ الغداءَ والعشاءَ فهو غني، وبمعنى آخر أن مَنْ مَلَكَ قوتَ يوم وليلة فهو غني، فقولهم إن من ملك قوت يوم وليلة توجَّبَ عليه إخراجُ زكاة الفطر، معناه أنهم أوجبوا زكاة الفطر على الغني ولم يوجبوها على الفقير، في حين أن النص قد أوجبها على الفقير، كما أوجبها على الغني، فماذا يقولون؟ فقولهم بوجوبها فقط على من ملك قوت يوم وليلة – أي على الغني - معارَضٌ بالنص الذي أوجبها أيضاً على الفقير، ولو كان النص يقول بوجوبها على الغني ولم يذكر الفقير لكان بحثهم في محله وعلى صعيد صحيح، أما وأن النص لم يستثن الفقير فإنه لا يصحُّ لهم استثناؤه.
...ثم إن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده الذي رواه الترمذي المار أيضاً في صدر هذا البحث يقول (ألا إن صدقة الفطر واجبةٌ على كل مسلم ... ) وإن حديث ابن عمر الذي رواه مسلم وغيره، المار أيضاً قبل قليل يقول (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على كل نفس من المسلمين حرٍّ أو عبدٍ ... ) ليؤكِّد ما قلناه، وليشمل النصُّ الفقيرَ لأنه نفسٌ من المسلمين، فإن استثنى هؤلاء الفقيرَ من وجوب إخراج زكاة الفطر فقد استثنوا عموم النصوص دون أي سند شرعي صحيح.
...وأقول أخيراً إن زكاة الفطر هي عبادة عن الأبدان وليست عبادة عن الأموال كسائر الزكاة حتى يبحثوا عن الغنى والفقر وحدودهما، فكل نفس مسلمة لها بدن، فتجب فيه زكاة الفطر، هكذا دون أي تخصيص أو تقييد.