للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

...أما الفريق القائلون إن الهلال إذا رُؤي ببلد لزم أهل جميع البلاد الصوم، فقد استدلوا على قولهم هذا بالأحاديث الكثيرة الآمرة بالصوم لرؤية الهلال والإفطار لرؤيته وحجة هؤلاء أن رؤية الهلال هي سبب إيجاد الصوم، وأن رؤية الهلال هي سبب إيجاد الفطر، وأنه إذا وجد السبب وُجد المسبَّب، وهو الصوم والفطر، فقول الرسول صلى الله عليه وسلم (لرؤيته) هو اسم جنس مضاف، فهو إذن من ألفاظ العموم، وقوله عليه الصلاة والسلام (حتى تروا) (إذا رأيتم) فيه ضميرٌ لجماعة يعود على اسم، وهذا الاسم جمعٌ، فهو يعود على جميع، والجمع من ألفاظ العموم، فضمير (تروا) وضمير (رأيتم) من ألفاظ العموم، فتكون رؤية الهلال عامة أي يكون السبب عاماً فأية رؤية من أي مسلم تعمُّ جميع المسلمين، فيجب عليهم الصوم عندئذٍ. وهذا القول من هؤلاء، على تعقيدٍ في استنباطه مألوفٍ، هو القول الصحيح.

وأما الآخَرون القائلون باختلاف المطالع، وبعدم صيام أهل بلد برؤية أهل بلد آخر للهلال فإنهم استدلوا على ذلك بما رُوي عن كُريب {أن أمَّ الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام، قال: فقدمتُ الشام فقضيت حاجتها، واستُهِلَّ عليَّ رمضانُ وأنا بالشام فرأيت الهلالَ ليلة الجمعة، ثم قدمتُ المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما ثم ذَكَر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة فقال: أنت رأيتَه؟ فقلت: نعم ورآه الناس، وصاموا وصام معاوية، فقال: لكنَّا رأيناه ليلةَ السبت فلا نزال نصوم حتى نكمِّل ثلاثين أو نراه فقلت: أو لا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم} رواه مسلم (٢٥٢٨) وأبو داود والترمذي وأحمد.

<<  <   >  >>