للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعينه واحتمال لقيه والسماع منه ليس بدون احتمال ثقة الواسطة المحذوف وعدالته، وهذا ظاهر.

قالوا: وأيضًا فإن الله تعالى إنما أمرنا بالتثبت أو التبين في قبول خبر الفاسق؛ فدل على أن العدل الثقة لا يجب التثبت في خبره، وهذا المرسل ثقة عدل فيجب قبول خبره وسؤالنا له ممن سمعه نوع تثبت وتوقف في خبره واتهام له بحمله عن غير أهلٍ.

قالوا: وأيضًا فإنا وجدنا عامة الصحابة والتابعين إذا سمعوا الأخبار المرسلة صاروا إليها وعملوا بها، وتركوا آراءهم لأجلها: أما الصحابة فأكثر من أن تحصى، فإنهم لم يكونوا إذا رووا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثًا يقول لهم من سمعه منهم هل سمعتموه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو بينكم وبينه واسطة؟ وهذا أبو هريرة من أكثر الصحابة رواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكثير من روايته إنما تلقاها عن غيره من الصحابة، وهكذا ابن عباس وابن الزبير والنعمان بن بشير، حتى يقال: إنه لا يعرف له ما يحكيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - سماعًا إلا حديث: "الحلال بين" (١)، وقال البراء بن عازب (٢): ما كل ما نحدثكم به سمعناه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، لكنا سمعناه وحدثنا أصحابُنا, ولكنا لا نكذب.

وأما التابعون فروايتهم للمراسيل واحتجاجهم بها وعملهم بها ظاهر مشهور، فإنهم إنما رووها محتجين بها في مقام الفتوى والمناظرة والتبليغ، وهذا أشهر من أن يذكر أمثلته، فما أنكره عليهم نظراؤهم ولا من فوقهم،


(١) رواه البخاري (١/ ٥٣ رقم ٥٢) ومسلم (٣/ ١٢١٩ - ١٢٢١ رقم ١٥٩٩).
(٢) ورواه الإمام أحمد في "المسند" (٤/ ٢٨٢) وفي "العلل ومعرفة الرجال" (٢/ ٤١٠ رقم ٢٨٣٥).

<<  <   >  >>