للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنما أنكره من جاء بعدهم.

قالوا: وأيضًا فلو قال هذا الراوي المرسل: "حدثني فلان وهو عدل عندي" حاق قبول خبره والعمل به، فروايته عنه في مقام الاحتجاج والقطع به على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن لم يكن فوق تعديله له فليس بدونه، وإنما قلنا إنه ليس بدون تعديله لما فيه من الشهادة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإيجاب حكم بخبره أو إسقاطه من تحريم أو تحليل أو إباحة واستجازته وإقدامه على إرسال مثل ذلك دليل على تعديله لمن حدثه به، وهذا أمر ظاهر.

قالوا: وأيضًا فلو لم يكن المرسل حجة لبادرت الأمة إلى إنكار من رواه فإنه إن رواه محتجًا به وهو غير حجة فالإنكار متعين، وإن لم يروه محتجًا به فلا ريب أنه لم يقل هذا ليس بحجة، ولا سيما روايته له ظاهرة في الاحتجاج، وترك النكير من الأمة دليل على قبوله والعمل به.

قالوا: وأيضًا فنحن لا طريق لنا إلى العلم بحال الرواة، وتجريحهم وتعديلهم إلا من الرواة المتلقين عنهم، فمن جرحوه أطرح خبره، ومن وثقوه قُبل خبره وعُمل به، وكان توثيقهم من فوقهم طريقًا موصلاً إلى العمل بخبره وقبوله، فإذا أتى بالغاية المقصودة من التوثيق والتعديل، وهي القبول والتحديث والعمل بخبره؛ كان ذلك مغنيًا عن الوسيلة، وكان أبلغ منها.

قالوا: وأيضًا فمن تأمل حال الصحابة والتابعين وجدهم من أصدق الناس، أما الصحابة فلم يكن فيهم أحد يكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذبة واحدة، وأما التابعون فمشهورن معروفون بالصدق، ولم يكن فيهم معروف بالكذب إلا من أمره مشهور بينهم شهرة أظهر من أن يُحتاج إلى البحث عنه، ولم يكن أئمة التابعين يروون عن مثل هذا شيئًا، وهذا الضرب أكثر ما

<<  <   >  >>