للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَئِيسَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ رَغِبَ فِي الْكَلَامِ مَعَكَ، فَقُلْتُ: أَنَا مَشْغُولٌ. فَقَالَ: هُنَا مَوْضِعٌ مُرَتَّبٌ قَدْ جَاءَ إِلَيْهِ، وَهُوَ مَحْرَسُ الطَّبَرَانِيِّينَ، مَسْجِدٌ فِي قَصْرٍ عَلَى الْبَحْرِ، وَتَحَامَلَ عَلَيَّ، فَقُمْتُ مَا بَيْنَ حِشْمَةٍ وَحِسْبَةٍ، وَدَخَلْتُ قَصْرَ الْمَحْرَسِ، وَطَلَعْنَا إِلَيْهِ، فَوَجَدْتُهُمْ قَدِ اجْتَمَعُوا فِي زَاوِيَةِ الْمَحْرَسِ الشَّرْقِيَّةِ، فَرَأَيْتُ النُّكْرَ فِي وُجُوهِهِمْ، فَسَلَّمْتُ ثُمَّ قَصَدْتُ جِهَةَ الْمِحْرَابِ، فَرَكَعْتُ عِنْدَهُ رَكْعَتَيْنِ لَا عَمَلَ لِي فِيهِمَا إِلَّا تَدْبِيرُ الْقَوْلِ مَعَهُمْ وَالْخَلَاصُ مِنْهُمْ.

فَلَعَمْرُ الَّذِي قَضَى عَلَيَّ بِالْإِقْبَالِ إِلَى أَنْ أُحَدِّثَكُمْ، إِنْ كُنْتُ رَجَوْتُ الْخُرُوجَ عَنْ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَبَدًا، وَلَقَدْ كُنْتُ أَنْظُرُ فِي الْبَحْرِ يَضْرِبُ فِي حِجَارَةٍ سُودٍ مُحَدَّدَةٍ تَحْتَ طَاقَاتِ الْمَحْرَسِ، فَأَقُولُ: هَذَا قَبْرِي الَّذِي يَدْفِنُونِي فِيهِ، وَأُنْشِدُ فِي سِرِّي:

أَلَا هَلْ إِلَى الدُّنْيَا مَعَادٌ وَهَلْ لَنَا ... سِوَى الْبَحْرِ قَبْرٌ أَوْ سِوَى الْمَاءِ أَكْفَانُ

وَهِيَ كَانَتِ الشِّدَّةَ الرَّابِعَةَ مِنْ شَدَائِدِ عُمْرِي الَّذِي أَنْقَذَنِي اللَّهُ مِنْهَا.

فَلَمَّا سَلَّمْتُ، اسْتَقْبَلْتُهُمْ، وَسَأَلْتُهُمْ عَنْ أَحْوَالِهِمْ عَادَةً، وَقَدِ اجْتَمَعَتْ إِلَيَّ نَفْسِي، وَقُلْتُ: أَشْرَفُ مِيتَةٍ فِي أَشْرَفِ مَوْطِنٍ أُنَاضِلُ فِيهِ عَنِ الدِّينِ.

فَقَالَ لِي أَبُو الْفَتْحِ وَأَشَارَ إِلَى فَتًى حَسَنِ الْوَجْهِ: هَذَا سَيِّدُ الطَّائِفَةِ وَمُقَدَّمُهَا، فَدَعَوْتُ لَهُ، فَسَكَتَ، فَبَادَرَنِي وَقَالَ: قَدْ بَلَغَتْنِي مَجَالِسُكَ وَأُنْهِيَ إِلَيَّ كَلَامُكَ، وَأَنْتَ تَقُولُ: قَالَ اللَّهُ وَفَعَلَ! فَأَيُّ شَيْءٍ هُوَ اللَّهُ الَّذِي تَدْعُو إِلَيْهِ؟! أَخْبِرْنِي وَاخْرُجْ عَنْ هَذِهِ الْمَخْرَقَةِ الَّتِي جَازَتْ لَكَ عَلَى هَذِهِ الطَّائِفَةِ الضَّعِيفَةِ، وَقَدِ احْتَدَّ نَفْسًا، وَامْتَلَأَ غَيْظًا، وَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَلَمْ أَشُكَّ أَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>