للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يُتِمُّ الْكَلَامَ إِلَّا وَقَدِ اخْتَطَفَنِي أَصْحَابُهُ قَبْلَ الْجَوَابِ.

فَعَمَدْتُ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ إِلَى كِنَانَتِي، وَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا سَهْمًا أَصَابَ حَبَّةَ قَلْبِهِ، فَسَقَطَ لِلْيَدَيْنِ وَلِلْفَمِ.

وَشَرْحُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِمَامَ أَبَا بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيَّ الْحَافِظَ الْجُرْجَانِيَّ قَالَ:

كُنْتُ أُبَغِّضُ النَّاسَ فِيمَنْ يَقْرَأُ عِلْمَ الْكَلَامِ، فَدَخَلْتُ يَوْمًا إِلَى الرَّيِّ، وَدَخَلْتُ جَامِعَهَا أَوَّلَ دُخُولِي، وَاسْتَقْبَلْتُ سَارِيَةً أَرْكَعُ عِنْدَهَا، وَإِذَا بِجِوَارِي رَجُلَانِ يَتَذَاكَرَانِ عِلْمَ الْكَلَامِ، فَتَطَيَّرْتُ بِهِمَا، وَقُلْتُ: أَوَّلَ مَا دَخَلْتُ هَذَا الْبَلَدَ سَمِعْتُ فِيهِ مَا أَكْرَهُ، وَجَعَلْتُ أُخَفِّفُ الصَّلَاةَ حَتَّى أَبْعُدَ عَنْهُمَا، فَعَلِقَ بِي مِنْ قَوْلِهِمَا: إِنَّ هَؤُلَاءِ الْبَاطِنِيَّةَ أَسْخَفُ خَلْقِ اللَّهِ عُقُولًا، وَيَنْبَغِي لِلنِّحْرِيرِ أَنْ لَا يَتَكَلَّفَ لَهُمْ دَلِيلًا، وَلَكِنْ يُطَالِبُهُمْ بِـ " لِمَ "، فَلَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا، وَسَلَّمْتُ مُسْرِعًا.

وَشَاءَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ كَشَفَ رَجُلٌ مِنَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ الْقِنَاعَ فِي الْإِلْحَادِ، وَجَعَلَ يُكَاتِبُ وَشْمَكِيرَ الْأَمِيرَ يَدْعُوهُ إِلَيْهِ وَيَقُولُ لَهُ: إِنِّي لَا أَقْبَلُ دِينَ مُحَمَّدٍ إِلَّا بِالْمُعْجِزَةِ، فَإِنْ أَظْهَرْتُمُوهَا; رَجَعْنَا إِلَيْكُمْ.

وَانْجَرَّتِ الْحَالُ إِلَى أَنِ اخْتَارُوا مِنْهُمْ رَجُلًا لَهُ دَهَاءٌ وَمِنَّةٌ، فَوَرَدَ عَلَى وَشْمَكِيرَ رَسُولًا، فَقَالَ لَهُ: إِنَّكَ أَمِيرٌ، وَمِنْ شَأْنِ الْأُمَرَاءِ وَالْمُلُوكِ أَنْ تَتَخَصَّصَ عَنِ الْعَوَامِّ وَلَا تُقَلِّدَ فِي عَقِيدَتِهَا، وَإِنَّمَا حَقُّهُمْ أَنْ يُفْصِحُوا عَنِ الْبَرَاهِينِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>