فَسُرَّ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَالَ: «مَن سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً. .». . . الْحَدِيثَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ هَاهُنَا مِثْلُ مَا فَعَلَ ذَلِكَ الصَّحَابِيُّ، وَهُوَ الْعَمَلُ بِمَا ثَبَتَ كَوْنُهُ سُنَّةً، وَأَنَّ الْحَدِيثَ مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: «مَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنْ سُنَّتِي قَدْ أُمِيتَتْ بِعْدِي» الْحَدِيثَ إِلَى قَوْلِهِ «وَمَنِ ابْتَدَعَ بِدْعَةً ضَلَالَةً»، فَجَعَلَ مُقَابِلَ تِلْكَ السُّنَّةِ الِابْتِدَاعَ، فَظَهَرَ أَنَّ السُّنَّةَ الْحَسَنَةَ لَيْسَتْ بِمُبْتَدَعَةٍ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «وَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّنِي.»
وَوَجْهُ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ ظَاهِرٌ; لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا مَضَى عَلَى الصَّدَقَةِ أَوَّلًا ثُمَّ جَاءَ ذَلِكَ الْأَنْصَارِيُّ بِمَا جَاءَ بِهِ فَانْثَالَ بَعْدَهُ الْعَطَاءُ إِلَى الْكِفَايَةِ، فَكَأَنَّهَا كَانَتْ سُنَّةً أَيْقَظَهَا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِفِعْلِهِ، فَلَيْسَ مَعْنَاهُ: مَنِ اخْتَرَعَ سُنَّةً وَابْتَدَعَهَا وَلَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً.
وَنَحْوَ (هَذَا) الْحَدِيثِ فِي " رَقَائِقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ " مِمَّا يُوضِّحُ مَعْنَاهُ عَنْ حُذَيْفَةَ:
قَالَ: «قَامَ سَائِلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَ، فَسَكَتَ الْقَوْمُ، ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا أَعْطَاهُ، فَأَعْطَاهُ الْقَوْمُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنِ اسْتَنَّ خَيْرًا فَاسْتُنَّ بِهِ; فَلَهُ أَجْرُهُ وَمِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ غَيْرَ مُنْتَقِصٍ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنِ اسْتَنَّ شَرًّا فَاسْتُنَّ بِهِ; فَعَلَيْهِ وِزْرُهُ وَمِثْلُ أَوْزَارِ مَنْ تَبِعَهُ غَيْرَ مُنْتَقِصٍ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا.»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute