فَإِذًا; قَوْلُهُ: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً» ; مَعْنَاهُ: مَنْ عَمِلَ بِسُنَّةٍ، لَا مَنِ اخْتَرَعَ سُنَّةً.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ وَجْهَيِ الْجَوَابِ:
أَنَّ قَوْلَهُ: مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً، وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً ; لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الِاخْتِرَاعِ مِنْ أَصْلٍ; لِأَنَّ كَوْنَهَا حَسَنَةً أَوْ سَيِّئَةً لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ; لِأَنَّ التَّحْسِينَ وَالتَّقْبِيحَ مُخْتَصٌّ بِالشَّرْعِ لَا مَدْخَلَ لِلْعَقْلِ فِيهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَإِنَّمَا يَقُولُ بِهِ الْمُبْتَدِعَةُ أَعْنِي: التَّحْسِينَ وَالتَّقْبِيحَ بِالْعَقْلِ فَلَزِمَ أَنْ تَكُونَ السُّنَّةُ فِي الْحَدِيثِ إِمَّا حَسَنَةً فِي الشَّرْعِ وَإِمَّا قَبِيحَةً بِالشَّرْعِ، فَلَا يَصْدُقُ إِلَّا عَلَى مِثْلِ الصَّدَقَةِ الْمَذْكُورَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا مِنَ السُّنَنِ الْمَشْرُوعَةِ، وَتَبْقَى السُّنَّةُ السَّيِّئَةُ مُنَزَّلَةٌ عَلَى الْمَعَاصِي الَّتِي ثَبَتَ بِالشَّرْعِ كَوْنُهَا مَعَاصِيَ; كَالْقَتْلِ الْمُنَبَّهِ عَلَيْهِ فِي حَدِيثِ ابْنِ آدَمَ، حَيْثُ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ، وَعَلَى الْبِدَعِ; لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ ذَمُّهَا وَالنَّهْيُ عَنْهَا بِالشَّرْعِ; كَمَا تَقَدَّمَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: «مَنِ ابْتَدَعَ بِدْعَةً ضَلَالَةً»، فَهُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ; لِأَنَّ سَبَبَ الْحَدِيثِ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِشَيْءٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ; كَالْعُمُومَاتِ الْمُبْتَدَأَةِ الَّتِي لَمْ تَثْبُتْ لَهَا أَسْبَابٌ.
وَيَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ قَوْلُهُ: وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً ; أَيْ: مَنِ اخْتَرَعَهَا، وَشَمَلَ مَا كَانَ مِنْهَا مُخْتَرَعًا ابْتِدَاءً مِنَ الْمَعَاصِي; كَالْقَتْلِ مِنْ أَحَدِ ابْنَيْ آدَمَ، وَمَا كَانَ مُخْتَرَعًا بِحُكْمِ الْحَالِ، إِذْ كَانَتْ قَبْلُ مُهْمَلَةً مُتَنَاسَاةً، فَأَثَارَهَا عَمَلُ هَذَا الْعَامِلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute