للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّصْرِيحُ بِالنَّهْيِ فِيهِ، لِلْعِلْمِ بِأَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ بِرَاجِعٍ إِلَى نَفْسِ الْبَيْعِ، بَلْ إِلَى أَمْرٍ يُجَاوِرُهُ، وَبِذَلِكَ يُعَلِّلُ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ قَالَ بِفَسْخِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ زَجْرٌ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ، لَا لِأَجْلِ النَّهْيِ عَنْهُ، فَلَيْسَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ أَيْضًا، وَلَا النَّهْيُ رَاجِعٌ إِلَى نَفْسِ الْبَيْعِ.

فَالْأَمْرُ بِالْعِبَادَةِ شَيْءٌ، وَكَوْنُ الْمُكَلَّفِ يُوفِي بِهَا أَوْ لَا شَيْءٌ آخَرُ، فَإِقْرَارُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ عَمْرٍو عَلَى مَا الْتَزَمَ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ مَا الْتَزَمَ، وَنَهْيُهُ إِيَّاهُ ابْتِدَاءً لَا يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ، وَإِلَّا لَزِمَ التَّدَافُعُ، وَهُوَ مُحَالٌ.

إِلَّا أَنَّ هَاهُنَا نَظَرًا آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَارَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كَالْمُرْشِدِ لِلْمُكَلَّفِ وَكَالْمُتَبَرِّعِ بِالنَّصِيحَةِ عِنْدَ وُجُودِ مَظِنَّةِ الِاسْتِنْصَاحِ، فَلَمَّا اتَّكَلَّ الْمُكَلَّفُ عَلَى اجْتِهَادِهِ دُونَ نَصِيحَةِ النَّاصِحِ الْأَعْرَفِ بِعَوَارِضِ النُّفُوسِ؛ صَارَ كَالْمُتَّبِعِ لِرَأْيِهِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ، وَإِنْ كَانَ بِتَأْوِيلٍ، فَإِنْ سُمِّيَ فِي اللَّفْظِ بِدْعَةً؛ فَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَإِلَّا؛ فَهُوَ مُتَّبِعٌ لِلدَّلِيلِ الْمَنْصُوصِ مِنْ صَاحِبِ النَّصِيحَةِ، وَهُوَ الدَّالُّ عَلَى الِانْقِطَاعِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْعِبَادَةِ.

وَمِنْ هُنَا قِيلَ فِيهَا: إِنَّهَا بِدْعَةٌ إِضَافِيَّةٌ لَا حَقِيقِيَّةٌ، وَمَعْنَى كَوْنِهَا إِضَافِيَّةً: أَنَّ الدَّلِيلَ فِيهَا مَرْجُوحٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ الدَّوَامُ عَلَيْهَا، وَرَاجِحٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ وَفَّى بِشَرْطِهَا، وَلِذَلِكَ وَفَّى بِهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو بَعْدَمَا ضَعُفَ، وَإِنْ دَخَلَ عَلَيْهِ فِيهَا بَعْضُ الْحَرَجِ حَتَّى تَمَنَّى قَبُولَ الرُّخْصَةِ؛ بِخِلَافِ الْبِدْعَةِ الْحَقِيقِيَّةِ؛ فَإِنَّ الدَّلِيلَ عَلَيْهَا مَفْقُودٌ حَقِيقَةً؛ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مَرْجُوحًا.

فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُشْبِهُ مَسْأَلَةَ خَطَأِ الْمُجْتَهِدِ، فَالْقَوْلُ فِيهِمَا مُتَقَارِبٌ،

<<  <  ج: ص:  >  >>