وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِمَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
- وَأَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ فِي الْإِشْكَالِ: " إِنِ الْتَزَمَ الشَّرْطَ فَأَدَّى الْعِبَادَةَ عَلَى وَجْهِهَا. . . " إِلَى آخِرِهِ؛ فَصَحِيحٌ؛ إِلَّا قَوْلَهُ: " فَإِنْ تَرَكَهَا لِعَارِضٍ؛ فَلَا حَرَجَ؛ كَالْمَرِيضِ "؛ فَإِنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ ثَمَّ قِسْمٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنْ يَتْرُكَهَا بِسَبَبٍ تَسَبَّبَ هُوَ فِيهِ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنْ لَيْسَ مِنْ سَبَبِهِ؛ فَإِنَّ تَرْكَ الْجِهَادِ ـ مَثَلًا ـ بِاخْتِيَارِهِ مُخَالَفَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَتَرْكَهُ لِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ لَا مُخَالَفَةَ فِيهِ، فَإِنْ عَمِلَ فِي سَبَبٍ يُلْحِقُهُ عَادَةً بِالْمَرِيضِ حَتَّى لَا يَقْدِرَ عَلَى الْجِهَادِ؛ فَهَذِهِ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ، فَمِنْ حَيْثُ تَسَبُّبُهُ فِي الْمَانِعِ لَا يَكُونُ مَحْمُودًا عَلَيْهِ، وَهُوَ نَظِيرُ الْإِيغَالِ فِي الْعَمَلِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ فِي كَرَاهِيَةِ الْعَمَلِ أَوْ فِي التَّقْصِيرِ عَلَى الْوَاجِبِ، وَهَذَا الْمُكَلَّفُ قَدْ خَالَفَ النَّهْيَ، وَمِنْ حَيْثُ وَقَعَ لَهُ الْحَرَجُ الْمَانِعُ فِي الْعِبَادَةِ مِنْ أَدَائِهَا عَلَى وَجْهِهَا؛ قَدْ يَكُونُ مَعْذُورًا، فَصَارَ هُنَا نَظَرٌ بَيْنَ نَظَرَيْنِ، لَا يَتَخَلَّصُ مَعَهُ الْعَمَلُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " ثَبَتَ أَنَّ مِنْ أَقْسَامِ الْبِدَعِ مَا لَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ "، فَلَيْسَ كَمَا قَالَ، وَذَاكَ أَنَّ الْمَنْدُوبَ هُوَ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَنْدُوبٌ يُشْبِهُ الْوَاجِبَ مِنْ جِهَةِ مُطْلَقِ الْأَمْرِ، وَيُشْبِهُ الْمُبَاحَ مِنْ جِهَةِ رَفْعِ الْحَرَجِ عَلَى التَّارِكِ، فَهُوَ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ، لَا يَتَخَلَّى إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ إِلَّا أَنَّ قَوَاعِدَ الشَّرْعِ شَرَطَتْ فِي نَاحِيَةِ الْعَمَلِ شَرْطًا كَمَا شَرَطَتْ فِي نَاحِيَةِ تَرْكِهِ شَرْطًا:
فَشَرْطُ الْعَمَلِ بِهِ: أَنْ لَا يَدْخُلَ فِيهِ مُدْخَلًا يُؤَدِّيهِ إِلَى الْحَرَجِ الْمُؤَدِّي إِلَى انْخِرَامِ النَّدْبِ فِيهِ رَأْسًا، أَوِ انْخِرَامِ مَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ، وَمَا وَرَاءَ هَذَا مَوْكُولٌ إِلَى خِيَرَةِ الْمُكَلَّفِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute