للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا بِوُقُوعِهِ فِي مَكْرُوهٍ أَوْ مُحَرَّمٍ؛ فَفِي بَقَاءِ الطَّلَبِ هُنَا تَفْصِيلٌ ـ بِحَسْبَ مَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ أَبِي حَامِدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ (تَعَالَى) ـ، إِذْ يَكُونُ الْمَطْلُوبُ مَنْدُوبًا، لَكِنَّهُ لَا يَعْمَلُ بِهِ إِلَّا بِوُقُوعِهِ فِي مَمْنُوعٍ:

فَالْمَنْدُوبُ سَاقِطٌ عَنْهُ بِلَا إِشْكَالٍ؛ كَالْمَنْدُوبِ لِلصَّدَقَةِ عَلَى الْمُحْتَاجِ لَا (مَالَ) بِيَدِهِ إِلَّا مَالُ الْغَيْرِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْعَمَلُ بِالنَّدْبِ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ بِسَبَبِهِ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، لَا يَجُوزُ، فَهُوَ كَالْفَاقِدِ لِمَا يَتَصَدَّقُ بِهِ، وَكَالْقَادِمِ عَلَى مَرِيضِهِ الْمُشْرِفِ، أَوْ دَفْنِ مَيِّتٍ يَخَافُ تَغْيِيرَهُ بِتَرْكِهِ، ثُمَّ يَقُومُ يُصَلِّي نَافِلَةً، وَالْمُتَزَوِّجُ لَا يَجِدُ إِلَّا مَالًا حَرَامًا. . . وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ.

وَقَدْ يَكُونُ الْمَطْلُوبُ وَاجِبًا؛ إِلَّا أَنَّ وُقُوعَهُ فِيهِ يُدْخِلُهُ فِي مَكْرُوهٍ، وَهَذَا غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ بِالْوَاجِبِ آكَدُ، أَوْ يُوقِعُهُ فِي مَمْنُوعٍ؛ فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَتَعَارَضُ عَلَى الْحَقِيقَةِ.

إِلَّا أَنَّ الْوَاجِبَاتِ لَيْسَتْ عَلَى وِزَانٍ وَاحِدٍ، كَمَا أَنَّ الْمُحَرَّمَاتِ كَذَلِكَ، فَلَا بُدَّ مِنَ الْمُوَازَنَةِ؛ فَإِنْ تَرَجَّحَ جَانِبُ الْوَاجِبِ؛ صَارَ الْمُحَرَّمُ فِي حُكْمِ الْعَفْوِ، أَوْ حُكْمِ التَّلَافِي إِنْ كَانَ مِمَّا تُتَلَافَى مَفْسَدَتُهُ ـ، وَإِنْ تَرَجَّحَ جَانِبُ الْمُحَرَّمِ؛ سَقَطَ حُكْمُ الْوَاجِبِ أَوْ طُلِبَ بِالتَّلَافِي، وَإِنَّ تَعَادَلَا فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ فَهُوَ مَجَالُ نَظَرِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَالْأَوْلَى ـ عِنْدَ جَمَاعَةٍ ـ رِعَايَةُ جَانِبِ الْمُحَرَّمِ؛ لِأَنَّ دَرْءَ الْمَفَاسِدِ آكَدُ مِنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ.

فَإِذَا كَانَتِ الْعُزْلَةُ مُؤَدِّيَةً إِلَى السَّلَامَةِ؛ فَهِيَ الْأَوْلَى فِي أَزْمِنَةِ الْفِتَنِ، وَالْفِتَنُ لَا تَخْتَصُّ بِفِتَنِ الْحُرُوبِ فَقَطْ، فَهِيَ جَارِيَةٌ فِي الْجَاهِ وَالْمَالُ وَغَيْرِهِمَا مِنْ مُكْتَسِبَاتِ الدُّنْيَا، وَضَابِطُهَا مَا صَدَّ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>