مَشْرُوعًا؛ إِلَّا أَنَّهَا تُخْرَجُ عَنْ أَصْلِ شَرْعِيَّتِهَا بِغَيْرِ دَلِيلٍ تَوَهُّمًا أَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى أَصْلِهَا تَحْتَ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُقَيَّدَ إِطْلَاقُهَا بِالرَّأْيِ، أَوْ يُطْلَقَ تَقْيِيدُهَا، وَبِالْجُمْلَةِ؛ فَتَخْرُجُ عَنْ حَدِّهَا الَّذِي حُدَّ لَهَا.
وَمِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الصَّوْمَ فِي الْجُمْلَةِ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ؛ لَمْ يَخُصَّهُ الشَّارِعُ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، وَلَا حَدٍّ فِيهِ زَمَانًا دُونَ زَمَانٍ، مَا عَدَّا مَا نُهِيَ عَنْ صِيَامِهِ عَلَى الْخُصُوصِ؛ كَالْعِيدَيْنِ، وَنُدِبَ إِلَيْهِ عَلَى الْخُصُوصِ؛ كَعَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ بِقَوْلٍ، فَإِذَا خَصَّ مِنْهُ يَوْمًا مِنَ الْجُمْعَةِ بِعَيْنِهِ، أَوْ أَيَّامًا مِنَ الشَّهْرِ بِأَعْيَانِهَا ـ لَا مِنْ جِهَةِ مَا عَيَّنَهُ الشَّارِعُ ـ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ ظَاهِرٌ بِأَنَّهُ مِنْ جِهَةِ اخْتِيَارِ الْمُكَلَّفِ؛ كَيَوْمِ الْأَرْبِعَاءَ مَثَلًا فِي الْجُمْعَةِ، وَالسَّابِعِ وَالثَّامِنِ فِي الشَّهْرِ. . . وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ بِحَيْثُ لَا يَقْصِدُ بِذَلِكَ وَجْهًا بِعَيْنِهِ مِمَّا لَا يَنْثَنِي عَنْهُ، فَإِذَا قِيلَ لَهُ: لِمَ خَصَّصَتْ تِلْكَ الْأَيَّامَ دُونَ غَيْرِهَا؟ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِذَلِكَ حُجَّةٌ غَيْرَ التَّصْمِيمِ، أَوْ يَقُولُ: إِنَّ الشَّيْخَ الْفُلَانِيَّ مَاتَ فِيهِ. . . أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ رَأْيٌ مَحْضٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، ضَاهَى بِهِ تَخْصِيصَ الشَّارِعِ أَيَّامًا بِأَعْيَانِهَا دُونَ غَيْرِهَا، فَصَارَ التَّخْصِيصُ مِنَ الْمُكَلَّفِ بِدْعَةً، إِذْ هِيَ تَشْرِيعٌ بِغَيْرِ مُسْتَنَدٍ.
وَمِنْ ذَلِكَ تَخْصِيصُ الْأَيَّامِ الْفَاضِلَةِ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي لَمْ تُشْرَعْ لَهَا تَخْصِيصًا؛ كَتَخْصِيصِ الْيَوْمِ الْفُلَانِيِّ بِكَذَا وَكَذَا مِنَ الرَّكَعَاتِ، أَوْ بِصَدَقَةِ كَذَا وَكَذَا، أَوِ اللَّيْلَةِ الْفُلَانِيَّةِ بِقِيَامِ كَذَا وَكَذَا رَكْعَةٍ، أَوْ بِخَتْمِ الْقُرْآنِ فِيهَا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ التَّخْصِيصَ وَالْعَمَلَ بِهِ؛ إِذَا لَمْ يَكُنْ بِحُكْمِ الْوِفَاقِ، أَوْ بِقَصْدٍ يَقْصِدُ مِثْلَهُ أَهْلُ الْعَقْلِ وَالْفَرَاغِ وَالنَّشَاطِ؛ كَانَ تَشْرِيعًا زَائِدًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute