للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي أَنْ يَقُولَ: إِنَّ هَذَا الزَّمَانَ ثَبَتَ فَضْلُهُ عَلَى غَيْرِهِ، فَيَحْسُنُ فِيهِ إِيقَاعُ الْعِبَادَاتِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا الْحَسَنُ؛ هَلْ ثَبَتَ لَهُ أَصْلٌ أَمْ لَا؟ فَإِنْ ثَبَتَ فَمَسْأَلَتُنَا؛ كَمَا ثَبَتَ الْفَضْلُ فِي قِيَامِ لَيَالِي رَمَضَانَ، وَصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصِيَامِ الْاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ؛ فَمَا مُسْتَنَدُكَ فِيهِ وَالْعَقْلُ لَا يُحَسِّنُ وَلَا يُقَبِّحُ، وَلَا شَرْعَ يُسْتَنَدُ إِلَيْهِ؟ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنَّهُ ابْتِدَاعٌ فِي التَّخْصِيصِ؛ كَإِحْدَاثِ الْخُطَبِ، وَتَحَرِّي خَتْمِ الْقُرْآنِ فِي بَعْضِ لَيَالِي رَمَضَانَ.

وَمِنْ ذَلِكَ التَّحَدُّثُ مَعَ الْعَوَامِّ بِمَا لَا تَفْهَمُهُ وَلَا تَعْقِلُ مَغْزَاهُ؛ فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ وَضْعِ الْحِكْمَةِ غَيْرَ مَوْضِعِهَا، فَسَامِعُهَا؛ إِمَّا أَنْ يَفْهَمَهَا عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا، وَهُوَ الْغَالِبُ، وَهُوَ فِتْنَةٌ تُؤَدِّي إِلَى التَّكْذِيبِ بِالْحَقِّ، وَإِلَى الْعَمَلِ بِالْبَاطِلِ، وَإِمَّا لَا يَفْهَمُ مِنْهَا شَيْئًا، وَهُوَ أَسْلَمُ، وَلَكِنَّ الْمُحْدِثَ لَمْ يُعْطِ الْحِكْمَةَ حَقَّهَا مِنَ الصَّوْنِ، بَلْ صَارَ التَّحَدُّثُ بِهَا كَالْعَابِثِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ، ثُمَّ إِنْ أَلْقَاهَا لِمَنْ لَا يَعْقِلُهَا فِي مَعْرَضِ الِانْتِفَاعِ بَعْدَ تَعَقُّلِهَا؛ كَانَ مِنْ بَابِ التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ.

وَقَدْ جَاءَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ، فَخَرَّجَ أَبُو دَاوُدَ حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْأُغْلُوطَاتِ، قَالُوا: وَهِيَ صِعَابُ الْمَسَائِلِ، أَوْ شِرَارُ

<<  <  ج: ص:  >  >>