{وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ - وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ} [الزمر: ٣٦ - ٣٧] وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ مِمَّا قُوبِلَ فِيهِ بَيْنَ الْهُدَى وَالضَّلَالِ. فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُمَا ضِدَّانِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةٌ تُعْتَبَرُ فِي الشَّرْعِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْبِدَعَ الْمَكْرُوهَةَ خُرُوجٌ عَنِ الْهُدَى.
وَنَظِيرِهِ فِي الْمُخَالَفَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ بِبِدَعٍ، الْمَكْرُوهَةُ مِنَ الْأَفْعَالِ، كَالِالْتِفَاتِ الْيَسِيرِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، وَالصَّلَاةِ وَهُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
وَنَظِيرُهُ فِي الْحَدِيثِ: «نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَلَمْ يَحْرُمْ عَلَيْنَا» فَالْمُرْتَكِبُ لِلْمَكْرُوهِ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِيهِ مُخَالِفٌ وَلَا عَاصٍ، مَعَ أَنَّ الطَّاعَةَ ضِدُّهَا الْمَعْصِيَةُ. وَفَاعِلُ الْمَنْدُوبِ مُطِيعٌ لِأَنَّهُ فَاعِلُ أَمْرٍ بِهِ. فَإِذَا اعْتَبَرْتَ الضِّدَّ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ الْمَكْرُوهِ عَاصِيًا لِأَنَّهُ فَاعِلٌ مَا نُهِيَ عَنْهُ، لَكِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ، إِذْ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ عَاصٍ، فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ فَاعِلُ الْبِدْعَةِ الْمَكْرُوهَةِ ضَالًّا، وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ اعْتِبَارِ الضِّدِّ فِي الطَّاعَةِ وَاعْتِبَارِهِ فِي الْهُدَى، فَكَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْبِدْعَةِ الْمَكْرُوهَةِ لَفْظُ الضَّلَالَةِ فَكَذَلِكَ يُطْلَقُ عَلَى الْفِعْلِ الْمَكْرُوهِ لَفْظُ الْمَعْصِيَةِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute