للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِلَّا فَلَا يُطْلَقُ عَلَى الْبِدْعَةِ الْمَكْرُوهَةِ لَفْظُ الضَّلَالَةِ، كَمَا لَا يُطْلَقُ عَلَى الْفِعْلِ الْمَكْرُوهِ لَفْظُ الْمَعْصِيَةِ.

إِلَّا أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ عُمُومُ لَفْظِ الضَّلَالَةِ لِكُلِّ بِدْعَةٍ، فَلْيَعُمَّ لَفْظُ الْمَعْصِيَةِ لِكُلِّ فِعْلٍ مَكْرُوهٍ، لَكِنَّ هَذَا بَاطِلٌ، فَمَا لَزِمَ عَنْهُ كَذَلِكَ. وَالْجَوَابُ: أَنَّ عُمُومَ لَفْظِ الضَّلَالَةِ لِكُلِّ بِدْعَةٍ

وَالْجَوَابُ: أَنَّ عُمُومَ لَفْظِ الضَّلَالَةِ لِكُلِّ بِدْعَةٍ ثَابِتٌ ـ كَمَا تَقَدَّمَ بَسْطُهُ ـ وَمَا الْتَزَمْتُمْ فِي الْفِعْلِ الْمَكْرُوهِ غَيْرُ لَازِمٍ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِي الْأَفْعَالِ أَنْ تَجْرِيَ عَلَى الضِّدِّيَةِ الْمَذْكُورَةِ إِلَّا بَعْدَ اسْتِقْرَاءِ الشَّرْعِ، وَلِمَا اسْتَقْرَيْنَا مَوَارِدَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَجَدْنَا لِلطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ وَاسِطَةً مُتَّفَقًا عَلَيْهَا أَوْ كَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا وَهِيَ الْمُبَاحُ، وَحَقِيقَتُهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِطَاعَةٍ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُبَاحٌ.

فَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ ضِدَّانِ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا التَّخْيِيرُ.

وَإِذَا تَأَمَّلْنَا الْمَكْرُوهَ ـ حَسْبَمَا قَرَّرَهُ الْأُصُولِيُّونَ ـ وَجَدْنَاهُ ذَا طَرَفَيْنِ:

طَرَفٌ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فَيَسْتَوِي مَعَ الْمُحَرَّمِ فِي مُطْلَقِ النَّهْيِ، فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ مُخَالَفَةَ نَهْيِ الْكَرَاهِيَةِ مَعْصِيَةً مِنْ حَيْثُ اشْتَرَكَ مَعَ الْمُحَرَّمِ فِي مُطْلَقِ الْمُخَالَفَةِ.

غَيْرَ أَنَّهُ يَصُدُّ عَنْ هَذَا الْإِطْلَاقِ الطَّرَفَ الْآخَرَ، وَهُوَ أَنْ يُعْتَبَرَ مِنْ حَيْثُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى فَاعِلِهِ ذَمٌّ شَرْعِيٌّ وَلَا إِثْمٌ وَلَا عِقَابٌ، فَخَالَفَ الْمُحَرَّمَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَشَارَكَ الْمُبَاحَ فِيهِ، لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَا ذَمَّ عَلَى فَاعِلِهِ وَلَا إِثْمَ وَلَا عِقَابَ، فَتَحَامَوْا أَنْ يُطْلِقُوا عَلَى مَا هَذَا شَأْنُهُ عِبَارَةَ الْمَعْصِيَةِ.

وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا وَوَجَدْنَا بَيْنَ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ وَاسِطَةً يَصِحُّ أَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهَا الْمَكْرُوهُ مِنَ الْبِدَعِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} [يونس: ٣٢] فَلَيْسَ إِلَّا حَقٌّ، وَهُوَ الْهُدَى، وَضَلَالٌ وَهُوَ الْبَاطِلُ، فَالْبِدَعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>