وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا النَّظَرَ يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ، فَفِي النَّظَرِ مَا يَدُلُّ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى عَلَى إِثْبَاتِ الصَّغِيرَةِ مِنْ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّا نَقُولُ: الْإِخْلَالُ بِضَرُورَةِ النَّفْسِ كَبِيرَةٌ بِلَا إِشْكَالٍ، وَلَكِنَّهَا عَلَى مَرَاتِبَ أَدْنَاهَا لَا يُسَمَّى كَبِيرَةً، فَالْقَتْلُ كَبِيرَةٌ، وَقَطْعُ الْأَعْضَاءِ مِنْ غَيْرِ إِجْهَازِ كَبِيرَةٌ دُونَهَا، وَقَطْعُ عُضْوٍ وَاحِدٍ كَبِيرَةٌ دُونَهَا، وَهَلُمَّ جَرَّا إِلَى أَنْ تَنْتَهِيَ إِلَى اللَّطْمَةِ، ثُمَّ إِلَى أَقَلِّ خَدْشٍ يُتَصَوَّرُ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِي مَثَلِهِ كَبِيرَةٌ، كَمَا قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي السَّرِقَةِ: إِنَّهَا كَبِيرَةٌ لِأَنَّهَا إِخْلَالٌ بِضَرُورَةِ الْمَالِ. فَإِنْ كَانَتِ السَّرِقَةُ فِي لُقْمَةٍ أَوْ تَطْفِيفٍ بِحَبَّةٍ فَقَدْ عَدُّوهُ مِنَ الصَّغَائِرِ. وَهَذَا فِي ضَرُورَةِ الدِّينِ أَيْضًا.
فَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ عَنْ حُذَيْفَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ:
«أَوَّلُ مَا تَفْقِدُونَ مِنْ دِينِكُمُ الْأَمَانَةَ، وَآخِرُ مَا تَفْقِدُونَ الصَّلَاةَ، وَلَتُنْقَضَنَّ عُرَى الْإِيمَانِ عُرْوَةً عُرْوَةً، وَلِيُصَلِّيَنَّ نِسَاءٌ وَهُنَّ حُيَّضٌ ـ ثُمَّ قَالَ ـ حَتَّى تَبْقَى فِرْقَتَانِ مِنْ فِرَقٍ كَثِيرَةٍ تَقُولُ إِحْدَاهُمَا: مَا بَالُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ؟ لَقَدْ ضَلَّ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا، إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} [هود: ١١٤] لَا تُصَلُّنَّ إِلَّا ثَلَاثًا. وَتَقُولُ أُخْرَى: إِنَّا لِنُؤْمِنُ بِاللَّهِ إِيمَانَ الْمَلَائِكَةِ، مَا فِينَا كَافِرٌ، حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ يَحْشُرَهُمَا مَعَ الدَّجَّالِ»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute