عَلَى النَّفْسِ. وَيَلِيهِ أَنْوَاعُ الْقَرْضِ الْجَائِزِ، وَيَلِيهِ التَّجَاوُزُ فِي الْمُعَامَلَاتِ بِإِنْظَارِ الْمُعْسِرِ، وَبِالْإِسْقَاطِ كَمَا قَالَ: {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٢٨٠]، وَهَذَا كَانَ شَأْنَ مَنْ تَقَدَّمَ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ. ثُمَّ نَقَصَ الْإِحْسَانُ بِالْوُجُوهِ الْأُوَلِ. فَتَسَامَحَ النَّاسُ بِالْقَرْضِ. ثُمَّ نَقَصَ ذَلِكَ حَتَّى صَارَ الْمُوسِرُ لَا يَسْمَحُ بِمَا فِي يَدَيْهِ فَيُضْطَرُّ الْمُعْسِرُ إِلَى أَنْ يَدْخُلَ فِي الْمُعَامَلَاتِ الَّتِي ظَاهِرُهَا الْجَوَازُ وَبَاطِنُهَا الْمَنْعُ؛ كَالرِّبَا وَالسَّلَفِ الَّذِي يَجُرُّ النَّفْعَ، فَيَجْعَلُ بَيْعًا فِي الظَّاهِرِ، وَيَجْرِي فِي النَّاسِ شَرْعًا شَائِعًا، وَيَدِينُ بِهِ الْعَامَّةُ، وَيَنْصِبُونَ هَذِهِ الْمُعَامَلَاتِ مَتَاجِرَ، وَأَصْلُهَا الشُّحُّ بِالْأَمْوَالِ وَحَبُّ الزَّخَارِفِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالشَّهَوَاتِ الْعَاجِلَةِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ؛ فَالْحَرِيُّ أَنْ يَصِيرَ ذَلِكَ ابْتِدَاعًا فِي الدِّينِ، وَأَنْ يُجْعَلَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا انْتِجَاعٌ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ، وَتَكَلُّفٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ لَوْلَا أَنَّ ذَلِكَ مَفْهُومٌ مِنَ الشَّرْعِ لَمَا قِيلَ بِهِ، فَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«إِذَا ضَنَّ النَّاسُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ، وَتَبَايَعُوا بِالْعِينَةِ، وَاتَّبَعُوا أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَتَرَكُوا الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَنْزَلَ اللَّهُ بِهِمْ بَلَاءً فَلَا يَرْفَعُهُ حَتَّى يُرَاجِعُوا دِينَهُمْ».
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا وَقَالَ فِيهِ:
«إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْتَزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ.»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute