للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّذِي كَانَ بَعْدَ الْمُلْكِ وَالْجَبْرِيَّةِ قَدْ كَانَ فِي أَوَاخِرِ عَصْرِ التَّابِعِينَ، فِي تِلْكَ الْأَزْمَانِ صَارَ فِي أُولِي الْأَمْرِ مَنْ يُفْتِي بِنِكَاحِ الْمُحَلِّلِ وَنَحْوِهِ، وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ يُفْتِي بِهِ أَصْلًا.

وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ الْمَشْهُورِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ وَالْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ».

وَرَوَى أَحْمَدُ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا ظَهَرَ فِي قَوْمٍ الرِّبَا وَالزِّنَا إِلَّا أَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْ عِقَابَ اللَّهِ» فَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ التَّحْلِيلَ مِنَ الزِّنَا، كَمَا يُشْعِرُ أَنَّ الْعِينَةَ مِنَ الرِّبَا. وَقَدْ جَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ مَوْقُوفًا قَالَ: يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يُسْتَحَلُّ فِيهِ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ: يَسْتَحِلُّونَ الْخَمْرَ بِأَسْمَاءٍ يُسَمُّونَهَا بِهَا، وَالسُّحْتَ بِالْهَدِيَّةِ، وَالْقَتْلَ بِالرَّهْبَةِ، وَالزِّنَا بِالنِّكَاحِ، وَالرِّبَا بِالْبَيْعِ، فَإِنَّ الثَّلَاثَةَ الْمَذْكُورَةَ أَوَّلًا قَدْ سُنَّتْ، وَأَمَّا السُّحْتُ الَّذِي هُوَ الْعَطِيَّةُ لِلْوَالِي وَالْحَاكِمِ وَنَحْوِهِمَا بِاسْمِ الْهَدِيَّةِ فَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاسْتِحْلَالُ الْقَتْلِ بِاسْمِ الْإِرْهَابِ الَّذِي يُسَمِّيهِ وُلَاةُ الظُّلْمِ سِيَاسَةَ وَأُبَّهَةَ الْمُلْكِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَظَاهِرٌ أَيْضًا، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ شَرِيعَةِ الْقَتْلِ الْمُخْتَرَعَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>