للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى يَدِي، فَلَحِقَهُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو الْجَدِيرَةِ يُتَّهَمُ بِالْإِرْجَاءِ. فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ! اسْمَعْ مِنِّي شَيْئًا أُكَلِّمُكَ بِهِ وَأُحَاجُّكَ بِرَأْيِي. فَقَالَ لَهُ: احْذَرْ أَنْ أَشْهَدَ عَلَيْكَ. قَالَ: وَاللَّهِ مَا أُرِيدَ إِلَّا الْحَقَّ، اسْمَعْ مِنِّي فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَقُلْ بِهِ أَوْ فَتَكَلَّمْ. قَالَ: فَإِنْ غَلَبَتْنِي؟ قَالَ: اتَّبَعَنِي. قَالَ: فَإِنْ غَلَبْتُكَ؟ قَالَ: اتَّبَعْتُكَ. قَالَ: فَإِنْ جَاءَ رَجُلٌ فَكَلَّمْنَاهُ فَغَلَبْنَاهُ؟ قَالَ: اتَّبَعَنَا. فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ: يَا عَبْدَ اللَّهِ! بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا بِدِينٍ وَاحِدٍ وَأَرَاكَ تَنْتَقِلُ.

وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: مَنْ جَعَلَ دِينَهُ عَرَضًا لِلْخُصُومَاتِ أَكْثَرَ التَّنَقُّلَ.

وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ الْجِدَالُ فِي الدِّينِ بِشَيْءٍ.

وَالْكَلَامُ فِي ذَمِّ الْجِدَالِ كَثِيرٌ. فَإِذَا كَانَ مَذْمُومًا فَمَنْ جَعَلَهُ مَحْمُودًا وَعَدَّهُ مِنَ الْعُلُومِ النَّافِعَةِ بِإِطْلَاقٍ فَقَدِ ابْتَدَعَ فِي الدِّينِ. وَلَمَّا كَانَ اتِّبَاعُ الْهَوَى أَصْلَ الِابْتِدَاعِ لَمْ يَعْدَمْ صَاحِبُ الْجِدَالِ أَنْ يُمَارِيَ وَيَطْلُبَ الْغَلَبَةَ، وَذَلِكَ مَظِنَّةُ رَفْعِ الْأَصْوَاتِ.

فَإِنْ قِيلَ: عَدَدْتَ رَفْعَ الْأَصْوَاتِ مِنْ فُرُوعِ الْجِدَالِ وَخَوَاصِّهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَرَفْعُ الْأَصْوَاتِ قَدْ يَكُونُ فِي الْعِلْمِ، وَلِذَلِكَ كُرِهَ رَفْعُ الْأَصْوَاتِ فِي الْمَسْجِدِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْعِلْمِ أَوْ فِي غَيْرِ الْعِلْمِ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَبْسُوطِ: رَأَيْتُ مَالِكًا يَعِيبُ عَلَى أَصْحَابِهِ رَفْعَ أَصْوَاتِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ.

وَعَلَّلَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ بِعِلَّتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يُنَزِّهَ الْمَسْجِدَ عَنْ مِثْلِ هَذَا لِأَنَّهُ أُمِرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>