للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِتَعْظِيمِهِ وَتَوْقِيرِهِ.

وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ مَبْنِيٌّ لِلصَّلَاةِ، وَقَدْ أُمِرْنَا أَنْ نَأْتِيَهَا وَعَلَيْنَا السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، فَأَنْ يُلْزَمَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهَا الْمُتَّخَذِ لَهَا أَوْلَى.

وَرَوَى مَالِكٌ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ بَنَى رَحْبَةً بَيْنَ نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ تُسَمَّى الْبُطَيْحَاءَ وَقَالَ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَلْغَطَ أَوْ يُنْشِدَ شِعْرًا أَوْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ فَلْيَخْرُجْ إِلَى هَذِهِ الرَّحْبَةِ. فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَمِنْ أَيْنَ يَدُلُّ ذَمُّ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى الْجَدَلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ؟

فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ مِنْ خَوَاصِّ الْجَدَلِ الْمَذْمُومِ، أَعْنِي: فِي أَكْثَرِ الْأَمْرِ دُونَ الْفَلَتَاتِ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ وَالْخُرُوجَ عَنِ الِاعْتِدَالِ فِيهِ نَاشِئٌ عَنِ الْهَوَى فِي الشَّيْءِ الْمُتَكَلَّمِ فِيهِ، وَأَقْرَبُ الْكَلَامِ الْخَاصِّ بِالْمَسْجِدِ إِلَى رَفْعِ الصَّوْتِ، الْكَلَامُ فِيمَا لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ، وَهُوَ الْجِدَالُ الَّذِي نَبَّهَ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ.

وَأَيْضًا؛ لَمْ يَكْثُرِ الْكَلَامُ جِدًّا فِي نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْعِلْمِ فِي الزَّمَانِ الْمُتَقَدِّمِ إِلَّا فِي عِلْمِ الْكَلَامِ، وَإِلَى غَرَضِهِ تَصَوَّبَتْ سِهَامُ النَّقْدِ وَالذَّمِّ، فَهُوَ إِذًا هَوًى. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَيْرَةَ بْنِ أَبِي نَاجِيَةَ الْمِصْرِيِّ أَنَّهُ رَأَى قَوْمًا يَتَعَارُّونَ فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ عَلَتْ أَصْوَاتُهُمْ فَقَالَ: هَؤُلَاءِ قَوْمٌ قَدْ مَلُّوا الْعِبَادَةَ، وَأَقْبَلُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>