قَالَ ـ وَيَرَيَانِ مَعًا تَخْصِيصَ الْقِيَاسِ وَنَقْصَ الْعِلَّةِ، وَلَا يَرَى الشَّافِعِيُّ لِعِلَّةِ الشَّرْعِ ـ إِذَا ثَبَتَ ـ تَخْصِيصًا.
هَذَا مَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ. وَيُشْعِرُ بِذَلِكَ تَفْسِيرُ الْكَرْخِيِّ لِلِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ الْعُدُولُ عَنِ الْحُكْمِ فِي الْمَسْأَلَةِ بِحُكْمِ نَظَائِرِهَا إِلَى خِلَافِهِ لِوَجْهٍ أَقْوَى.
وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّهُ الْقِيَاسُ الَّذِي يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ، لِأَنَّ الْعِلَّةَ كَانَتْ عِلَّةً بِأَثَرِهَا: سَمَّوْا الضَّعِيفَ الْأَثَرِ قِيَاسًا وَالْقَوِيَّ الْأَثَرِ اسْتِحْسَانًا، أَيْ قِيَاسًا مُسْتَحْسَنًا، وَكَأَنَّهُ نَوْعٌ مِنَ الْعَمَلِ بِأَقْوَى الْقِيَاسَيْنِ، وَهُوَ يَظْهَرُ مِنِ اسْتِقْرَاءِ مَسَائِلِهِمْ فِي الِاسْتِحْسَانِ بِحَسَبِ النَّوَازِلِ الْفِقْهِيَّةِ.
بَلْ قَدْ جَاءَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ تِسْعَةُ أَعْشَارِ الْعِلْمِ. رَوَاهُ أَصْبُغُ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ،
قَالَ أَصْبُغُ فِي الِاسْتِحْسَانِ: قَدْ يَكُونُ أَغْلَبَ مِنَ الْقِيَاسِ.
وَجَاءَ عَنْ مَالِكٍ: إِنَّ الْمُفَرِّقَ فِي الْقِيَاسِ يَكَادُ يُفَارِقُ السُّنَّةَ.
وَهَذَا الْكَلَامُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بِالْمَعْنَى الَّذِي تَقَدَّمَ قَبْلُ، وَأَنَّهُ مَا يَسْتَحْسِنُهُ الْمُجْتَهِدُ بِعَقْلِهِ، أَوْ أَنَّهُ دَلِيلٌ يَنْقَدِحُ فِي نَفْسِ الْمُجْتَهِدِ؛ تَعَسُرُ عِبَارَتُهُ عَنْهُ، فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَكُونُ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْعِلْمِ، وَلَا أَغْلَبَ مِنَ الْقِيَاسِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الْأَدِلَّةِ.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: الِاسْتِحْسَانُ إِيثَارُ تَرْكِ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِثْنَاءِ وَالتَّرَخُّصِ، لِمُعَارَضَةِ مَا يُعَارَضُ بِهِ فِي بَعْضِ مُقْتَضَيَاتِهِ. وَقَسَّمَهُ أَقْسَامًا عَدَّ مِنْهَا أَرْبَعَةَ أَقْسَامِ، وَهِيَ تَرْكُ الدَّلِيلِ لِلْعُرْفِ، وَتَرْكُهُ لِلْمَصْلَحَةِ، وَتَرْكُهُ لِلْيَسِيرِ، وَتَرْكُهُ لِرَفْعِ الْمَشَقَّةِ، وَإِيثَارِ التَّوْسِعَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute