مَا زَعَمْتُمْ، فَلَمْ يَكُنْ لِلْحَدِيثِ فَائِدَةٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا رَأَوْهُ بِرَأْيِهِمْ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْأُمَّةَ قَدِ اسْتَحْسَنَتْ دُخُولَ الْحَمَّامِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ أُجْرَةٍ وَلَا تَقْدِيرِ مُدَّةِ اللَّبْثِ وَلَا تَقْدِيرِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَلَا سَبَبَ لِذَلِكَ إِلَّا أَنَّ الْمُشَاحَّةَ فِي مِثْلِهِ قَبِيحَةٌ فِي الْعَادَةِ، فَاسْتَحْسَنَ النَّاسُ تَرْكَهُ، مَعَ أَنَّا نَقْطَعُ أَنَّ الْإِجَارَةَ الْمَجْهُولَةَ، أَوْ مُدَّةَ الِاسْتِئْجَارِ أَوْ مِقْدَارَ الْمُشْتَرَى إِذَا جُهِلَ فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ، وَقَدِ اسْتُحْسِنْتَ إِجَارَتُهُ مَعَ مُخَالَفَةِ الدَّلِيلِ، فَأَوْلَى أَنْ يُجَوَّزَ إِذَا لَمْ يُخَالِفْ دَلِيلًا.
فَأَنْتَ تَرَى أَنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ مَزَلَّةُ قَدَمٍ أَيْضًا لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْتَدِعَ، فَلَهُ أَنْ يَقُولَ: إِنِ اسْتَحْسَنْتُ كَذَا وَكَذَا فَغَيْرِي مِنَ الْعُلَمَاءِ قَدِ اسْتَحْسَنَ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ فَضْلِ اعْتِنَاءٍ بِهَذَا الْفَصْلِ، حَتَّى لَا يَغْتَرَّ بِهِ جَاهِلٌ أَوْ زَاعِمٌ أَنَّهُ عَالَمٌ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ،
فَنَقُولُ: إِنَّ الِاسْتِحْسَانَ يَرَاهُ مُعْتَبَرًا فِي الْأَحْكَامِ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ، بِخِلَافِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ مُنْكِرٌ لَهُ جِدًّا حَتَّى قَالَ: مَنِ اسْتَحْسَنَ فَقَدْ شَرَّعَ.
وَالَّذِي يُسْتَقْرَأُ مِنْ مَذْهَبِهِمَا أَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى الْعَمَلِ بِأَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ. هَكَذَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ
ـ قَالَ ـ فَالْعُمُومُ إِذَا اسْتَمَرَّ، وَالْقِيَاسُ إِذَا اطَّرَدَ، فَإِنَّ مَالِكًا وَأَبَا حَنِيفَةَ يَرَيَانِ تَخْصِيصَ الْعُمُومِ بِأَيِّ دَلِيلٍ كَانَ مِنْ ظَاهِرٍ أَوْ مَعْنَى ـ قَالَ ـ وَيَسْتَحْسِنُ مَالِكٌ أَنْ يَخُصَّ بِالْمَصْلِحَةِ، وَيَسْتَحْسِنُ أَبُو حَنِيفَةَ أَنْ يَخُصَّ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ مِنَ الصَّحَابَةِ الْوَارِدِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ ـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute