للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَكَأَنَّ هَذَا يَرْجِعُ إِلَى تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِعَادَةِ فَهْمِ خِطَابِ الْقُرْآنِ.

وَهَذَا الْمِثَالُ أَوْرَدَهُ الْكَرْخِيُّ تَمْثِيلًا لِمَا قَالَهُ فِي الِاسْتِحْسَانِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَقُولَ الْحَنَفِيُّ: سُؤْرُ سِبَاعِ الطَّيْرِ نَجِسٌ، قِيَاسًا عَلَى سِبَاعِ الْبَهَائِمِ. وَهَذَا ظَاهِرُ الْأَثَرِ، وَلَكِنَّهُ ظَاهِرٌ اسْتِحْسَانًا، لِأَنَّ السَّبْعَ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ، وَلَكِنْ لِضَرُورَةِ تَحْرِيمِ لَحْمِهِ، فَثَبَتَتْ نَجَاسَتُهُ بِمُجَاوَرَةِ رُطُوبَاتِ لُعَابِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَارَقَهُ الطَّيْرُ؛ لِأَنَّهُ يَشْرَبُ بِمِنْقَارِهِ وَهُوَ طَاهِرٌ بِنَفْسِهِ، فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِطَهَارَةِ سُؤْرِهِ، لِأَنَّ هَذَا أَثَرٌ قَوِيٌّ وَإِنْ خَفِيَ، فَتَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ أَمْرُهُ جَلِيًّا، وَالْأَخْذُ بِأَقْوَى الْقِيَاسَيْنِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: إِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا وَلَكِنْ عَيَّنَ كُلُّ وَاحِدٍ غَيْرَ الْجِهَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا (الْآخَرُ)، فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُحَدَّ، وَلَكِنِ اسْتُحْسِنَ حَدُّهُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ إِلَّا مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ، فَإِذَا عَيَّنَ كُلُّ وَاحِدٍ دَارًا، فَلَمْ يَأْتِ عَلَى كُلِّ مَرْتَبَةٍ بِأَرْبَعَةٍ. لِامْتِنَاعِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ. فَإِذَا عَيَّنَ كُلُّ وَاحِدٍ زَاوِيَةً فَالظَّاهِرُ تَعَدُّدُ الْفِعْلِ، وَيُمْكِنُ التَّزَاحُفُ.

فَإِذَا قَالَ: الْقِيَاسُ أَنْ لَا يُحَدَّ، فَمَعْنَاهُ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعِ الْأَرْبَعَةُ عَلَى زِنًا وَاحِدٍ، وَلَكِنَّهُ يُؤَوَّلُ فِي الْمَصِيرِ إِلَى الْأَمْرِ الظَّاهِرِ تَفْسِيقُ الْعُدُولِ، فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْدُودًا صَارَ الشُّهُودُ فَسَقَةً، وَلَا سَبِيلَ إِلَى ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>