عَنْهُ، فَإِذَا كَانَ هَذَا أَصْلُهُ الَّذِي تَرْجِعُ فَرُوعُهُ إِلَيْهِ، فَكَيْفَ مَا يُبْنَى عَلَيْهِ؟ فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْعِبَارَةُ عَنْهَا أَضْيَقَ.
وَلَقَدْ كُنْتُ أَقُولُ بِمِثْلِ مَا قَالَ هَؤُلَاءِ الْأَعْلَامُ فِي طَرْحِ الِاسْتِحْسَانِ وَمَا بُنِيَ عَلَيْهِ، لَوْلَا أَنَّهُ اعْتَضَدَ وَتَقَوَّى لِوِجْدَانِهِ كَثِيرًا فِي فَتَاوَى الْخُلَفَاءِ وَأَعْلَامِ الصَّحَابَةِ وَجُمْهُورِهِمْ مَعَ عَدَمِ النَّكِيرِ، فَتُقَوِّي ذَلِكَ عِنْدِي غَايَةً. وَسَكَنَتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَانْشَرَحَ إِلَيْهِ الصَّدْرُ، وَوَثِقَ بِهِ الْقَلْبُ، لِلْأَمْرِ بِاتِّبَاعِهِمْ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ، ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ـ.
فَمِنْ ذَلِكَ الْمَرْأَةُ يَتَزَوَّجُهَا رَجُلَانِ وَلَا يَعْلَمُ الْآخَرُ بِتَقَدُّمِ نِكَاحِ غَيْرِهِ إِلَّا بَعْدَ الْبِنَاءِ، فَأَبَانَهَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ عُمَرُ وَمُعَاوِيَةُ وَالْحَسَنُ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ـ. وَكُلُّ مَا أَوْرَدْتُمْ فِي قَضِيَّةِ السُّؤَالِ وَارِدٌ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ إِذَا تَحَقَّقَ أَنَّ الَّذِي لَمْ يَبِنِ هُوَ الْأَوَّلُ، فَدُخُولُ الثَّانِي بِهَا دُخُولٌ بِزَوْجِ غَيْرِهِ؛ فَكَيْفَ يَكُونُ غَلَطُهُ عَلَى زَوْجِ غَيْرِهِ مُبِيحًا عَلَى الدَّوَامِ، وَمُصَحِّحًا لِعَقْدِهِ الَّذِي لَمْ يُصَادِفْ مُحِلًّا، وَمُبْطِلًا لِعَقْدِ نِكَاحٍ مُجْمَعٍ عَلَى صِحَّتِهِ، لِوُقُوعِهِ عَلَى وَفْقِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا؟ وَإِنَّمَا الْمُنَاسِبُ أَنَّ الْغَلَطَ يَرْفَعُ عَنِ الْغَالِطِ الْإِثْمَ وَالْعُقُوبَةَ. لَا إِبَاحَةَ زَوْجِ غَيْرِهِ دَائِمًا، وَمَنْعَ زَوْجِهَا مِنْهَا.
وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ فِي مَسْأَلَةِ امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ: أَنَّهُ إِنْ قَدِمَ الْمَفْقُودُ قَبْلَ نِكَاحِهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ نِكَاحِهَا وَالدُّخُولِ بِهَا بَانَتْ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الْبِنَاءِ فَقَوْلَانِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ: الْحُكْمُ لَهَا بِالْعِدَّةِ مِنَ الْأَوَّلِ إِنْ كَانَ قَطْعًا لِعِصْمَتِهِ فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهَا، وَلَوْ قَدِمَ قَبْلَ تَزَوُّجِهَا، أَوْ لَيْسَ بِقَاطِعٍ لِلْعِصْمَةِ، فَكَيْفَ تُبَاحُ لِغَيْرِهِ فِي عِصْمَةِ الْمَفْقُودِ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute