للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَيْضًا، فَالْآيَاتُ إِنْ دَلَّتْ بِصِيَغِ عُمُومِهَا فَالْأَحَادِيثُ تَدُلُّ بِمَعَانِيهَا لِاجْتِمَاعِ الْجَمِيعِ فِي الْعِلَّةِ.

فَإِنْ قِيلَ: الْحُكْمُ بِالْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ رَاجِعٌ إِلَى حُكْمِ الْآخِرَةِ، وَالْقِيَاسُ لَا يَجْرِي فِيهَا. فَالْجَوَابُ: إِنَّ كَلَامَنَا فِي الْأَحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَهَلْ يُحْكَمُ لَهُمْ بِحُكْمِ الْمُرْتَدِّينَ أَمْ لَا؟ وَإِنَّمَا أَمْرُ الْآخِرَةِ لِلَّهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام: ١٥٩].

وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونُوا خَارِجِينَ عَنِ الْإِسْلَامِ جُمْلَةً، وَإِنْ كَانُوا قَدْ خَرَجُوا عَنْ جُمْلَةٍ مِنْ شَرَائِعِهِ وَأُصُولِهِ.

وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ فِيمَا قَبْلَ هَذَا الْفَصْلِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الْإِعَادَةِ.

وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا ثَالِثًا، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ مَنْ فَارَقَ الْإِسْلَامَ لَكِنَّ مَقَالَتَهُ كُفْرٌ وَتُؤَدِّي مَعْنَى الْكُفْرِ الصَّرِيحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُفَارِقْهُ، بَلِ انْسَحَبَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْإِسْلَامِ وَإِنْ عَظُمَ مَقَالُهُ وَشُنِّعَ مَذْهَبُهُ، لَكِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ بِهِ مَبْلَغَ الْخُرُوجِ إِلَى الْكُفْرِ الْمَحْضِ وَالتَّبْدِيلِ الصَّرِيحِ.

وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الدَّلِيلُ بِحَسْبِ كُلِّ نَازِلَةٍ، وَبِحَسْبِ كُلِّ بِدْعَةٍ، إِذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّ الْبِدَعَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا مَا هُوَ كُفْرٌ كَاتِّخَاذِ الْأَصْنَامِ لِتُقَرِّبَهُمْ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى، وَمِنْهَا مَا لَيْسَ بِكُفْرٍ كَالْقَوْلِ بِالْجِهَةِ عِنْدَ جَمَاعَةٍ وَإِنْكَارِ الْإِجْمَاعِ وَإِنْكَارِ الْقِيَاسِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>