السَّلَامُ أَنَّ مِنَ الْأَزْمَانِ أَزْمَانًا يَجْتَمِعُونَ فِيهَا عَلَى ضَلَالَةٍ وَكُفْرٍ. قَالُوا، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ: سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوُلَاةُ الْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ سُنَنًا، الْأَخْذُ بِهَا تَصْدِيقٌ لِكِتَابِ اللَّهِ، وَاسْتِكْمَالٌ لِطَاعَةِ اللَّهِ، وَقُوَّةٌ عَلَى دِينِ اللَّهِ، لَيْسَ لِأَحَدٍ تَبْدِيلُهَا وَلَا تَغْيِيرُهَا، وَلَا النَّظَرُ فِيهَا! مَنِ اهْتَدَى بِهَا مُهْتَدٍ، وَمَنِ اسْتَنْصَرَ بِهَا مَنْصُورٌ، وَمَنْ خَافَهَا اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَوَلَّاهُ اللَّهُ مَا تَوَلَّى، وَأَصْلَاهُ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا. فَقَالَ مَالِكٌ: فَأَعْجَبَنِي عَزْمُ عُمَرَ عَلَى ذَلِكَ.
فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَلَفْظُ الْجَمَاعَةِ مُطَابِقٌ لِلرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي فَكَأَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى مَا قَالُوهُ وَمَا سَنُّوهُ، وَمَا اجْتَهَدُوا فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَبِشَهَادَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ بِذَلِكَ خُصُوصًا فِي قَوْلِهِ: «فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ» وَأَشْبَاهِهِ، أَوْ لِأَنَّهُمُ الْمُتَقَلِّدُونَ لِكَلَامِ النُّبُوَّةِ، الْمُهْتَدُونَ لِلشَّرِيعَةِ، الَّذِينَ فَهِمُوا أَمْرَ دِينِ اللَّهِ بِالتَّلَقِّي مِنْ نَبِيِّهِ مُشَافَهَةً، عَلَى عِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ بِمَوَاطِنِ التَّشْرِيعِ وَقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ: فَإِذًا كُلُّ مَا سَنُّوهُ فَهُوَ سُنَّةٌ مِنْ غَيْرِ نَظِيرٍ فِيهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ، فَإِنَّ فِيهِ لِأَهْلِ الِاجْتِهَادِ مَجَالًا لِلنَّظَرِ رَدًّا وَقَبُولًا، فَأَهْلُ الْبِدَعِ إِذًا غَيْرُ دَاخِلِينَ فِي الْجَمَاعَةِ قَطْعًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ.
وَالرَّابِعُ: أَنَّ الْجَمَاعَةَ هِيَ جَمَاعَةُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، إِذَا أَجْمَعُوا عَلَى أَمْرٍ فَوَاجِبٌ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ اتِّبَاعُهُمْ، وَهُمُ الَّذِينَ ضَمِنَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنْ لَا يَجْمَعَهُمْ عَلَى ضَلَالَةٍ، فَإِنْ وَقَعَ بَيْنَهُمُ اخْتِلَافٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute