بِأَنَّ فُلَانًا رَاسِخٌ فِي الْعِلْمِ وَفُلَانًا غَيْرُ رَاسِخٍ، فِي غَايَةِ الصُّعُوبَةِ، فَإِنَّ كُلَّ مَنْ خَالَفَ وَانْحَازَ إِلَى فِرْقَةٍ يَزْعُمُ أَنَّهُ الرَّاسِخُ، وَغَيْرُ قَاصِرِ النَّظَرِ، فَإِنْ فُرِضَ عَلَى ذَلِكَ الْمَطْلَبِ عَلَامَةٌ وَقَعَ النِّزَاعُ إِمَّا فِي الْعَلَامَةِ، وَإِمَّا فِي مَنَاطِهَا.
وَمِثَالُ ذَلِكَ أَنَّ عَلَامَةَ الْخُرُوجِ مِنَ الْجَمَاعَةِ الْفُرْقَةُ الْمُنَبِّهُ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا} [آل عمران: ١٠٥] وَالْفُرْقَةُ - بِشَهَادَةِ الْجَمِيعِ -[حَقِيقِيَّةٌ] وإِضَافِيَّةٌ فَكُلُّ طَائِفَةٍ تَزْعُمُ أَنَّهَا هِيَ الْجَمَاعَةُ وَمَنْ سِوَاهَا مُفَارِقٌ لِلْجَمَاعَةِ.
وَمِنَ الْعَلَامَاتِ اتِّبَاعُ مَا تَشَابَهَ مِنَ الْأَدِلَّةِ، وَكُلُّ طَائِفَةٍ تَرْمِي صَاحِبَتَهَا بِذَلِكَ وَأَنَّهَا هِيَ الَّتِي اتَّبَعَتْ أُمَّ الْكِتَابِ دُونَ الْأُخْرَى فَتَجْعَلُ دَلِيلَهَا عُمْدَةً وَتَرُدُّ إِلَيْهِ سَائِرَ الْمَوَاضِعِ بِالتَّأْوِيلِ عَلَى عَكْسِ الْأُخْرَى.
وَمِنْهَا اتِّبَاعُ الْهَوَى الَّذِي تَرْمِي بِهِ كُلُّ فِرْقَةٍ صَاحِبَتَهَا وَتُبَرِّئُ نَفْسَهَا مِنْهُ، فَلَا يُمْكِنُ فِي الظَّاهِرِ مَعَ هَذَا أَنَّ يَتَّفِقُوا عَلَى مَنَاطِ هَذِهِ الْعَلَامَاتِ، وَإِذَا لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَيْهَا لَمْ يُمْكِنْ ضَبْطُهُمْ بِهَا بِحَيْثُ يُشِيرُ إِلَيْهِمْ بِتِلْكَ الْعَلَامَاتِ، وَأَنَّهُمْ فِي التَّحْصِيلِ مُتَّفِقُونَ عَلَيْهَا، وَبِذَلِكَ صَارَتْ عَلَامَاتٌ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْمَنَاطِ الضَّبْطُ بِالْعَلَامَاتِ.
وَوَجْهٌ رَابِعٌ: وَهُوَ مَا تَقْدَمُ مِنْ فَهْمِنَا مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرْعِ فِي السَّتْرِ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ وَإِنْ حَصَلَ التَّعْيِينُ بِالِاجْتِهَادِ، فَالِاجْتِهَادُ لَا يَقْتَضِي الِاتِّفَاقَ عَلَى مَحَلِّهِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْعُلَمَاءَ جَزَمُوا الْقَوْلَ بِأَنَّ النَّظَرَيْنِ لَا يُمْكِنُ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute