عَادَةً؟ فَلَوْ تَعَيَّنُوا بِالنَّصِّ لَمْ يَبْقَ إِشْكَالٌ. بَلْ أَمْرُ الْخَوَارِجِ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَيَّنَهُمْ وَعَيَّنَ عَلَامَتَهُمْ فِي الْمُخْدَجِ حَيْثُ قَالَ: «آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ، إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ، وَمِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ» الْحَدِيثَ. وَهُمُ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، إِذْ لَمْ يَرْجِعُوا عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ وَلَمْ يَنْتَهُوا، فَمَا الظَّنُّ بِمَنْ لَيْسَ لَهُ فِي الْقَتْلِ تَعْيِينٌ؟
وَوَجْهٌ خَامِسٌ: وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: ١١٨] الْآيَةَ - يُشْعَرُ فِي هَذَا الْمَطْلُوبِ أَنَّ الْخِلَافَ لَا يَرْتَفِعُ، مَعَ مَا يُعَضِّدُهُ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي فَرَغْنَا مِنْ بَيَانِهِ، وَهُوَ حَدِيثُ الْفِرَقِ إِذِ الْآيَةُ لَا تُشْعِرُ بِخُصُوصِ مَوَاضِعِ الْخِلَافِ، لِإِمْكَانِ أَنْ يَبْقَى الْخِلَافُ فِي الْأَدْيَانِ دُونَ دِينِ الْإِسْلَامِ، لَكِنَّ الْحَدِيثَ بَيَّنَ أَنَّهُ وَاقِعٌ فِي الْأُمَّةِ أَيْضًا، فَانْتَظَمَتْهُ الْآيَةُ بِلَا إِشْكَالٍ
فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا ظَهَرَ بِهِ أَنَّ التَّعْيِينَ لِلْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا اجْتِهَادِيٌّ لَا يَنْقَطِعُ الْخِلَافُ فِيهِ، وَإِنِ ادُّعِيَ فِيهِ الْقَطْعُ دُونَ الظَّنِّ فَهُوَ نَظَرِيٌّ لَا ضَرُورِيٌّ، وَلَكُنَّا مَعَ ذَلِكَ نَسْلُكُ فِي الْمَسْأَلَةِ - بِحَوْلِ اللَّهِ - مَسْلَكًا وَسَطًا يُذْعِنُ إِلَى قَبُولِهِ عَقْلُ الْمُوَفَّقِ، وَيُقِرُّ بِصَحْنِهِ الْعَالِمُ بِكُلِّيَّاتِ الشَّرِيعَةِ وَجُزْئِيَّاتِهَا، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute