للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُكَلَّفِينَ. وَهِيَ الطَّرِيقُ الْمُوصِلُ وَالْهَادِي الْأَعْظَمُ.

أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى: ٥٢] فَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَوَّلُ مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ بِالْكِتَابِ وَالْإِيمَانِ. ثُمَّ مَنِ اتَّبَعَهُ فِيهِ. وَالْكِتَابُ هُوَ الْهَادِي. وَالْوَحْيُ الْمُنَزَّلُ عَلَيْهِ مُرْشِدٌ وَمُبَيِّنٌ لِذَلِكَ الْهَدْيِ، وَالْخَلْقُ مُهْتَدُونَ بِالْجَمِيعِ.

وَلَمَّا اسْتَنَارَ قَلْبُهُ وَجَوَارِحُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَبَاطِنُهُ وَظَاهِرُهُ بِنُورِ الْحَقِّ عِلْمًا وَعَمَلًا، صَارَ هُوَ الْهَادِيَ الْأَوَّلَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَالْمُرْشِدَ الْأَعْظَمَ، حَيْثُ خَصَّهُ اللَّهُ دُونَ الْخَلْقِ بِإِنْزَالِ ذَلِكَ النُّورِ عَلَيْهِ، وَاصْطَفَاهُ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ كَانَ مِثْلُهُ فِي الْخِلْقَةِ الْبَشَرِيَّةِ اصْطِفَاءً أَوَّلِيًّا، لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ بَشَرًا عَاقِلًا - مَثَلًا - لِاشْتِرَاكِهِ مَعَ غَيْرِهِ فِي هَذِهِ الْأَوْصَافِ، وَلَا لِكَوْنِهِ مِنْ قُرَيْشٍ - مَثَلًا - دُونَ غَيْرِهِمْ، وَإِلَّا لَزِمَ ذَلِكَ فِي كُلِّ قُرَشِيٍّ، وَلَا لِكَوْنِهِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَلَا لِكَوْنِهِ عَرَبِيًّا، وَلَا لِغَيْرِ ذَلِكَ، بَلْ مِنْ جِهَةِ اخْتِصَاصِهِ بِالْوَحْيِ الَّذِي اسْتَنَارَ بِهِ قَلْبُهُ وَجَوَارِحُهُ فَصَارَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ، حَتَّى نَزَلَ فِيهِ: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: ٤] وَإِنَّمَا «كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ» لِأَنَّهُ حَكَّمَ الْوَحْيَ عَلَى نَفْسِهِ. حَتَّى صَارَ فِي عِلْمِهِ وَعَمَلِهِ عَلَى وَفْقِهِ. فَكَانَ الْوَحْيُ حَاكِمًا وَافِقًا قَائِلًا، وَكَانَ هُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مُذْعِنًا مُلَبِّيًا نِدَاءَهُ وَاقِفًا عِنْدَ حُكْمِهِ، وَهَذِهِ الْخَاصِّيَّةُ كَانَتْ مِنْ أَعْظَمِ الْأَدِلَّةِ عَلَى صِدْقِهِ فِيمَا جَاءَ بِهِ. إِذْ قَدْ جَاءَ بِالْأَمْرِ وَهُوَ مُؤْتَمَرٌ. وَبِالنَّهْيِ وَهُوَ مُنْتَهٍ. وَبِالْوَعْظِ وَهُوَ مُتَّعِظٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>