احتجوا بأن الكتاب مقطوع، وخبر الواحد مظنون، فلا يقدم على المقطوع، ولقول عمر - رضي الله عنه - في خبر فاطمة بنت قيس لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري لعلها نسيت أم كذبت، ولم ينكر عليه أحد، فكان إجماعاً، وبالقياس على النسخ.
والجواب عن الأول: أن الكتاب مقطوع السند متواتر اللفظ أما دلالة العموم وتناوله الصورة التي تناولها خبر الواحد فأضعف من دلالة خبر الواحد عليها لما تقدم في دليلنا. وعن الثاني: أن الرد معلل بالتهمة بالنسيان أو الكذب ونحن نساعد عليه، إنّما النزاع إذا سلم الخبر عن المطاعن. وعن الثالث: الفرق أن النسخ إبطال لما ثبت أنه المراد فيحتاط فيه، أما التخصيص فبيان المراد من العموم، لا إبطال ما ثبت أنه مراد مجازه، وأما حجج الجماعة من التفرقة لعيسى بن أبان والكرخي فهي ما تقدم في التخصيص بالقياس، وكذلك مدرك التوقف.
فائدة: يلزم الغزالي أن ينظر هنا إلى مراتب الظنون كما تقدم له في القياس؛ فإن مراتب خبر الواحد في إفادة الظن مختلفة، وكذلك العموم، وليس له أن يقول خبر الواحد أقوى من القياس، لأنا نقول هب أنه أقوى، غير أن ذلك المدرك المتقدم موجود بعينه هنا، فيلزم انتقاضه، وهو خلاف الأصل والفرق لا ينجى من ذلكن فإن الفرق إن كان معتبراً لزم أن ينعطف منه وصف آخر مضافاً لما ذكرته من المدرك.
فائدة: أكثر النحاة والمحدثين على منع أبان من الصرف وهو مشكل، فإن وزنه في ظاهر الحال فعال وهو عربي فلم يبق فيه إلاّ العلمية، والعلة والواحدة لا تمنع الصرف على الصحيحن والنون فيه أصلية لأنه من أبَانَ.
وجوابه: أن وزنه أفعل، وأصله أبين ثم انقلبت الياء ألفاً لتحركها، ونقل حركتها لما قبلها، فمنع من الصرف مراعاة لأجل وزنه، فاجتمع وزن الفعل والعلمية كأحمد، فإن قيل يشكل ذلك برجل سُمي بِيع أو قِيل ونحوه من الأفعال المعتلة المبنية لما لم يُسم فاعله، فإن وزن ما لم يسم فاعله هو أولى في منع الصرف