للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بحضرة الناس غير مكترث بهم فهذه أفعال من لا يوثق بدينه ولا مروءته، فلا تأمنه في الشهادة على الكذب فيها.

فائدة: ما تقدم من أن الكبيرة تتبع عظم المفسدة، فما لا تعظم مفسدته لا يكون كبيرة، استثنى صاحب الشرع من ذلك أشياء حقيرة المفسدة، وجعلها مسقطة للعدالة موجبة للفسوق، لقبح ذلك الباب في نفسه لا لعظم المفسدة، ولك كشهادة الزور فإنَّها فسوق مطلقاً، وإن كان لم يتلف بها على المشهود عليه إلاّ فلساً، ومقتضى القاعدة أنها لا تكون كبيرة إلاّ إذا عظمت مفسدتها، وكذلك السرقة والغصب لقبح هذه الأبواب في أنفسها، ومما يدل على التفرقة بين أسباب الفسوق وغيرها قوله تعال٠ى: «وكرَّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان» (١) فرق تعالى بين الكفر والفسوق الذي هو من الكبائر، والعصيان الذي هو الصغائر التي ليست فسوقاً.

ثم الفاسق إن كان فسقه مظنوناً قبلت روايته بالاتفاق، وإن كان مقطوعاً قبل الشافعي رواية أرباب الأهواء إلاّ الخطابية من الرافضة (٢) لتجويزهم الكذب لموافقة مذهبهم، ومنع القاضي أبو بكر من قبولها، واختلف العلماء في شارب النبيذ من غير سكر فقال الشافعي أحده وأقبل شهادته بناء أن فسقه مظنون وقال مالك أحده ولا أقبل شهادته كأنه قطع بفسقه.

معنى الفسق المظنون الذي تقبل معه الرواية أن يكون هو يعتقد أنه على صواب لمستند حصل له، ونحن نظن بطلان ذلك المستند ولا نقطع ببطلانه، فهو في حكم الفاسق

لولا ذلك المستند، أما لو ظننا فسقه ببينة شهدت بارتكابه أسباب الفسوق فليس هو من هذا القبيل، بل ترد روايته ومعنى أن أرباب الأهواء مقطوع بفسقهم أي خالفوا قطعياً، وهو يعتقدون أنهم على صواب. والقسم الأوّل خالف ظناً.


(١) ٧ الحجرات.
(٢) الخطابية: طائفة من الشيعة أتباع أبي الخطاب الأجدع، الذي تتلمذ لجعفر الصادق، وزعم أن الألوهية حلت فيه، واستباح مع أتباعه ما حرم الله. وقد تبرأ منهم جعفر وحاربهم وأسر أبو الخطاب وقتل سنة ٧٥٥م وامتزجت دعوته بالإسماعيلية.

<<  <   >  >>