للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قول الشافعي. ومسألة النبيذ خولف فيها النصوص لقوله عليه السلام: «كلّ مسكر خمر وكل خمر حرام» ونحوه، وهو كثير في السنة، والقياس الجلي على الخمر والقواعد من جهة أن القاعدة سد الذريعة في صون العقول لانعقاد الإجماع على تحريم النقطة من الخمر وإن كانت لا تسكر سداً لذريعة الإسكار.

وقال أبو حنيفة: يقبل قول المجهول.

خالفه الجمهور في ذلك لقوله - عليه السلام -: «يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدوله» . وهذه صيغته صيغة الخبر ومعناه الأمر تقديره ليحمل هذا العلم من كلّ خلف عدوله فلولا أن العدالة شرط وإلا لبطلت حكمة هذا الأمر فإن العدل وغيره سواء حينئذ.

احتج أبو حنيفة بقوله تعالى: «إن جاءكم فاسق بنبأ» (١) فتبينوا. أوجب الله تعالى التثبت عند وجود الفسق، فعند عدم الفسق وجب أن لا يجب التثبت، فيجوز العمل وهو المطلوب. ولقوه تعالى: «فلولا نفر من كلّ فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون» (٢) أوجب الحذر عند قبولهم قولهم ولم يشترط العدالة فوجب جواز قبول قول المجهول. ولأن أعرابياً جاء يشهد عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالهلال فقبل شهادته وأمر الناس بالصوم. وإذا جاز ذلك في الشهادة جاز في الرواية بطريق الأولى؛ لأن الشهادة يشترط فيها ما لا يشترط في الرواية من الذكورية والحرية والعدد وغير ذلك.

والجواب عن الأوّل: أنا إذا علمنا زوال الفسق ثبتت العدالة لأنهما ضدان لا ثالث لهما متى علم نفي أحدهما ثبت الآخر. وعن الثاني: أن الطائفة مطلقة في الآية فيحمل على ما تقدم من تقييد السنة بقوله عليه السلام: «من كلّ خلف عدوله» وعن الثالث: أن القصة محتملة من حيث اللفظ، وليس في الحديث أنه كان مجهولاً ولا معلوماً، غير أن قضايا الأعيان تتنزل على القواعد وقاعدة الشهادة العدالة، ولو نقل


(١) ٦ الحجرات.
(٢) ١٢٢ التوبة.

<<  <   >  >>