وخلف ويمنة ويسرة، ولقد أحس الحريري وأوجز حيث جمعها في بيت من الشعر في الملحمة حيث قال:
ثم الجهات الست فوق وورا ... ويمنة وعكسه بلا مرا
فأخذ كل جهة وترك ضدها ليتنبه السامع له، وبقي معه بقية في البيت لا يحتاجها فخشاها بقوله بلا مرا، وقيل ليس من هذا بل من إظماء الإبل، والأخماس والأسداس ترجع إلى أيام ورودها للماء لخمس أو سدس، فإذا وقعت المغالطة من الراعي ضرب الخمس في السدس وأخرها عن شربها (١) . ووجه تركب المستند في المتواترات من الحس والعقل أنه لا بد من سماع أخبار جماعة عن الأمر المتواتر فهذا حظ السمع، ثم إن قال العقل هؤلاء يستحيل تواطؤهم عن الكذب حصل العلم فهذا حظ العقل، وإن لم يقل ذلك لم يحصل العلم، وكذلك التجريبات وتسمى المجربات أيضاً نحو كون الليمون حامضاً والصبر مراً والتمر حلواً ونحو ذلك، فإن أول مرة يباشر الحس ذلك النوع يجوز
العقل أن يكون ذلك الفرد من ذلك النوع أصابه عارض أوجب له ذلك، كما توجد المرارة في بعض أفراد الفقوس والخيار والنوع في نفسه ليس كذلك، فإن كثرت تكرار ذلك على الحس والعقل قال العقل عند حد من الكثرة في التكرار: كلي ليمونة حامضة وكل تمرة حلوة، فهذه المقدمة هي نصيب العقل لا بد منها، وعندما يحصل العلم، وكذلك الحدسيات كنقد الفضة ونضج الفاكهة فإن البصر يدرك أول مرة الدرهم الرديء فلا يعرفه، فيقال له إنه رديء فيتأمله ويتكرر ذلك عليه كثيراً حتى يحصل عند العقل قرائن لا يمنك التعبير عنها، فيقول لأجلها كل ما كان كذا فهو درهم رديء.
فهذه المقدمة هي تصيب العقل، وعندها يحصل العلم، واشتركت المتواترات والحدسيات والمجريات في أن أول مرة ربما حصل الشك وعند التكرار الظن، وبعد ذلك قد
(١) وأصل ذلك أن شيخاً كان في إبله ومعه أولاده رجالاً يرعونها قد طالت غربتهم عن أهلهم. فقال لهم ذات يوم ارعوا إبلكم ربعاً فرعوا ربعاً نحو طريق أهلهم. فقالوا لو رعيناها خمساً فزادوا يوماً قبل أهلهم. فقالوا لو رعيناها سدساً؛ ففطن الشيخ لما يريدون فقال ما أنتم إلا ضرب أخماس لأسداس ما همتكم رعيها إنما همتكم أهلكم، وأنشأ يقول: ... وذلك ضرب أخماس أراه ... لأسداس عسى أن لا تكونا