للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تولى قومه عنه، وشق عليه ما يرى من مباعدتهم ما جاءهم به من عند الله، تمنى فى نفسه أن يأتيه من الله ما يقارب به بينه وبين قومه. وكان يسره، مع حبه وحرصه عليهم، أن يلين له بعض ما غلظ عليه من أمرهم، حين حدث بذلك نفسه وتمنى وأحبه، فأنزل الله: (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى) فلما انتهى الى قول الله: (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) ألقى الشيطان على لسانه، لما كان يحدث به نفسه ويتمنى أن يأتى به قومه: «تلك الغرانيق العلى، وان شفاعتهن ترتضى» . فلما سمعت قريش ذلك فرحوا وسرهم، واعجبهم ما ذكر به الهتهم، فأصاخوا له، والمؤمنون مصدقون نبيهم فيما جاءهم به عن ربهم، ولا يتهمونه على خطأ ولا وهم ولا زلل. فلما انتهى الى السجدة منها وختم السورة، سجد فيها، فسجد المسلمون بسجود نبيهم، تصديقا لما جاء به واتباعا لامره، وسجد من فى المسجد من المشركين من قريش وغيرهم لما سمعوا من ذكر الهتهم، فلم يبق فى المسجد مؤمن ولا كافر الا سجد الا الوليد بن المغيرة، فانه كان شيخا كبيرا فلم يستطع، فأخذ بيده حفنة من البطحاء فسجد عليها. ثم تفرق الناس من المسجد، وخرجت قريش وقد سرهم ما سمعوا من ذكر الهتهم، يقولون: قد ذكر محمد الهتنا بأحسن الذكر، وقد زعم فيما يتلو أنها الغرانيق العلى وأن شفاعتهن ترتضى! وبلغت السجدة من بأرض الحبشة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقيل: أسلمت قريش. فنهضت منهم رجال، وتخلف اخرون. وأتى جبرائيل النبى صلّى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد ماذا صنعت؟ لقد تلوت على الناس ما لم اتك به عن الله، وقلت ما لم يقل لك! فحزن رسول الله عند ذلك، وخاف من الله خوفا كبيرا، فأنزل الله تبارك وتعالى عليه- وكان به رحيما- يعزيه ويخفض عليه الأمر ويخبره أنه لم يكن قبله رسول ولا نبى تمنى كما تمنى ولا أحب كما أحب الا والشيطان قد ألقى فى أمنيته كما ألقى على لسانه صلّى الله عليه وسلم، فنسخ الله ما ألقى الشيطان وأحكم آياته، أى فأنت كبعض الأنبياء والرسل، فأنزل الله: (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) ... الاية. فأذهب الله عن نبيه الحزن، وأمنه من الذى كان بخاف، ونسخ ما ألقى الشيطان على لسانه من ذكر الهتهم

<<  <   >  >>