(صلّى الله عليه وسلم) لم يكن ليؤتى ثماره. لذلك، فمن المؤكد أن محمدا لم يرفض عروض أهل مكة اخيرا لعروض كلامية عرضوها عليه، وانما كان رفضه لأسباب دينية صحيحة، انه لم يرفض عروضهم- على سبيل المثال- لعدم ثقته فيهم أو لطموحه الشخصى الذى لم يتم اشباعه بعد لكن لأن معنى اعترافه بهذه الربات (الأوثان) سيؤدى الى فشل مهمته كرسول، ويقضى على الرسالة التى كلفه الله (سبحانه) بها. لقد كان الوحى قد جعل ذلك الأمر واضحا له منذ البداية. اننا يمكن أن نفكر على هذا النحو لتوضيح ما كان، وربما كان محمد (صلّى الله عليه وسلم) قد شعر أن مهمنه غير سهلة حتى قبل أن يأتيه الوحى.
واذا نظرنا للأمور نظرة تجريدية، بدا أنه ليس ثمة ما يدعو للاعتراض الا قليلا فى الاعتراف باللات والعزى وغيرهما كموجودات أقل قداسة، فالاعتراف بالملائكة مسألة متمشية مع التوحيد ليس فى اليهودية والمسيحية فحسب، وانما فى الاسلام السنى (السلفى) أيضا. وعلى أية حال، فان عاملين كمنا فى أوضاع مكة فى هذه الفترة الانتقالية جعلا الاعتراف بذلك أمرا غير ممكن:
العامل الأول: أن طبيعة التعبد عند الكعبة والذى كان قبل الاسلام متسما بالشرك (تعدد الالهة) - كان لا بد من تنقيته (تخليصه من الشرك) وتحويله للتوحيد الخالص. فاذا كانت ممارسات العبادة الجديدة حول الكعبة تشبه ممارسات العبادة عند أوثان الربات الاخرى، فلا بد أن أهل الحجاز كانوا سيقترحون ربات أخرى لتعبد على قدم المساواة.
العامل الثانى: هو أن عبارة (بنات الله) ذات مضامين خطيرة رغم أنها بشكل عام لم تكن تعنى المعنى الحرفى لها «١١» . فكلمة (بنات) وغيرها من الكلمات الشبيهة قد تستخدم- غالبا- استخداما مجازيا فى اللغة العربية. فالعرب يقولون بنت الشفه ويعنون الكلمة، ويقولون بنت العين ويعنون الدمعة، ويقولون بنات الدهر ويعنون النكبات