اللبان والبخور والمنتجات المحلية الاخرى (وربما بضائع من الحبشة) فضلا عن البضائع المستوردة من الهند. ومع ذلك، فقد كان الكثير من التجارة يمر فى طريق الساحل الغربى بدليل استمرار ازدهار مكة، مما يدل على أن الفرس لم يكونوا من القوة بحيث يستطيعون السيطرة على هذا الطريق الى الغرب.
ماذا كان موقف مكة فى هذا الصراع بين العملاقين؟ ما السياسة التى سارت عليها؟ ربما كانت هناك صداقة متوارثة مع البيزنطيين، فقد ذكر ابن قتيبة معلومة تثير الدهشة تفيد أن قيصر قد ساعد (قصى) ضد خزاعة، فاذا كان مفهوم ذلك أن قصيا قد تلقى المساعدة من الغساسنة أو بعض الحلفاء الاخرين للرومان، فقد يكون ذلك صحيحا الى درجة بعيدة. فمن المؤكد أن قصيا كانت له صلات ببنى عذرة، وهى قبيلة مسيحية تعيش قرب حدود الشام، وبالتالى ربما كانت تحت النفوذ البيزنطى، وربما كان غزو قصى لمكة مرتبطا بنمو التجارة بين مكة والشام، ويبدو أنه بعد قصى ظل الطريق بين اليمن ومكة فى أيدى اليمنيين لفترة من الزمن. وقد كان أحد التجار اليمنيين قد أحضر بضائع الى مكة عند انشاء حلف الفضول (حوالى ٥٨٠) *. فلو كان الاهتمام الرئيسى لمكة حينئذ هو التجارة الى الشمال، فقد كان لا بد من وجود علاقات طيبة بالبيزنطيين وحلفائهم.
وسهل غزو الحبشة لليمن الأمور على أهل مكة وذلك للعلاقات الطيبة التى كانت بين الحبشة والبيزنطيين، وربما كانت هذه الفترة من السلام النسبى هى التى نمى فيها أهل مكة تجارتهم بدرجة كبيرة وأرسلوا فيها قوافلهم الى جميع الجهات، وكانت النتيجة التى توارثتها الأجيال أن من أبناء عبد مناف الأربعة، وطد عبد شمس علاقاته مع الحبشة، ووطد هاشم علاقاته بالشام، ووطد المطلب علاقاته باليمن، ووطد نوفل
* بل كان هذا التاجر اليمنى هو سبب انشاء حلف الفضول كما ذكر المؤلف من قبل فى هذا الفصل- (المترجم) .