«إنّ هذا الأعرابيّ قال ما قال، فزدناه فزعم أنّه رضي ذلك، أكذلك؟» . قال: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا.
فقال صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ مثلي ومثل هذا الأعرابيّ كمثل رجل كانت له ناقة شردت عليه فاتّبعها النّاس؛ فلم يزيدوها إلّا نفورا فناداهم صاحب النّاقة: خلّوا بيني وبين ناقتي، فإنّي أرفق بها وأعلم، فتوجّه لها صاحب النّاقة بين يديها، فأخذ لها من قمام الأرض ...
الحاضرين عنده (: «إنّ هذا الأعرابيّ قال ما قال) لي أوّلا مما سمعتموه، (فزدناه) على عطائه الأوّل (فزعم أنّه رضي [ذلك] ) أي: بجملة ما أعطيناه له،
(أكذلك» ؟!) استفهام تقرير متوجّه من النبي صلّى الله عليه وسلم للأعرابيّ، أي: الأمر كذلك من أنّك رضيت.
(قال، نعم: فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا. فقال صلّى الله عليه وسلم: «إنّ مثلي ومثل هذا الأعرابيّ كمثل رجل كانت له ناقة شردت عليه) أي: نفرت منه وذهبت في الأرض (فاتّبعها النّاس) ؛ من الاتّباع، أو من الإتباع، أي مضوا وجروا خلفها ليمسكوها (فلم يزيدوها إلّا نفورا) أي: لم يحصل باتباع النّاس لها إلّا زيادة هربها ونفورها لخوفها منهم.
(فناداهم صاحب النّاقة) أن: (خلّوا بيني وبين ناقتي، فإنّي أرفق بها وأعلم) أي: أنا أشفق عليها وأعلم بحالها وطبعها وطريق أخذها منكم.
(فتوجّه لها صاحب النّاقة بين يديها) ؛ أي: جاءها من أمامها.
(فأخذ لها من قمام الأرض) القمام- بضمّ القاف وتخفيف الميم- جمع قمامة ككناسة؛ لفظا ومعنى. والمراد بها هنا: النبات الّذي ترعاه الدوابّ كحشيش وتبن، شبّهه بالقمام! لخسّته، ولأنّه مما يطرح؛ كالقمامة، فاستعير له اسمها لمشاركته صفته.