ثمّ قال: يا محمّد؛ أحمل لي على بعيريّ هذين من مال الله الّذي عندك، فإنّك لا تحمل لي من مالك ولا من مال أبيك.
فسكت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثمّ قال:«المال مال الله، وأنا عبده» ، ثمّ قال:«ويقاد منك يا أعرابيّ ما فعلت بي» . قال:
لا. قال:«لم؟» ، قال: لأنّك لا تكافىء بالسّيّئة السّيّئة.
فضحك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ...
والكتف، أو موضع الرداء من المنكب. وهو يؤنّث ويذكّر، وفي رواية أنّ البرد انشقّ، ولم يتأثّر صلّى الله عليه وسلم من سوء أدبه.
(ثمّ قال) أي: الأعرابيّ على عادة أجلاف العرب (: يا محمّد؛ أحمل لي) - بفتح الهمزة- أي: أعطني ما أحمل (على بعيريّ) بالتثنية مضافا إلى ياء المتكلم (هذين) أي: حمّلهما لي طعاما (من مال الله الّذي عندك، فإنّك لا تحمل لي) أي: لا تعطيني (من مالك، ولا من مال أبيك!!
فسكت النّبيّ صلّى الله عليه وسلم) حلما وكرما، (ثمّ قال: «المال مال الله؛ وأنا عبده» ) أي: أتصرف في ماله بإذنه، وأعطي من يأمرني بإعطائه، فردّ صلّى الله عليه وسلم بألطف ردّ.
(ثمّ قال) أي: النبيّ صلّى الله عليه وسلم (: «ويقاد منك) ؛ من القود وهو القصاص، وهو هنا مجاز عن مطلق المجازاة، أي: أتجازى على ترك أدبك (يا أعرابيّ) ، يشير به إلى أنّه معذور لما فيه من غلظ الأعراب وهم أهل البادية (ما فعلت بي» ) من جذب بردي بأن يفعل به مثله، أو يعزّر بما يليق به.
(قال) أي الأعرابي (: لا) أي: لا يقاد مني. (قال: «لم» ؟!) أي: لأي شيء لا يقاد منك؟ (قال: «لأنّك لا تكافىء) بهمزة أي: لا تجازي (بالسّيّئة السّيّئة) ، بل تجازي بالسيئة الحسنة، وفيه مشاكلة، لأنّ الجزاء ليس بسيئة.
(فضحك النّبيّ صلّى الله عليه وسلم) سرورا بما رآه من حسن ظنّه به، وأنّه لم يفعل ذلك بقصد التنقيص منه، وتطمينا لقلبه إذ أبدى المسرّة بمقالته، وهذا يقتضي أنّه كان مسلما غير أنّ فيه جفاء البادية.