وكان صلّى الله عليه وسلّم أشدّ النّاس حياء، لا يثبّت بصره في وجه أحد.
ومحلّ وجود الحياء منه: في غير حدود الله، ولهذا قال للذي اعترف بالزّنا:
«أنكتها» ؟ لا يكنّي؛ كما في «الصحيح» في «كتاب الحدود» .
ولشدّة حيائه صلّى الله عليه وسلم كان يغتسل من وراء الحجرات، وما رأى أحد عورته قطّ.
أخرجه البزّار بسند حسن؛ عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما؛ قاله الباجوريّ، والزرقاني. زاد البخاري من وجه آخر، و «الشمائل» :
(وكان إذا كره شيئا عرف في وجهه) لأنّ وجهه كالشمس والقمر، فإذا كره شيئا كسا وجهه ظلّ؛ كالغيم على النّيّرين، فكان لغاية حيائه لا يصرّح بكراهته، بل إنّما يعرف في وجهه، وكذا العذراء في خدرها لا تصرّح بكراهة الشيء، بل يعرف ذلك في وجهها غالبا، وبهذا ظهر وجه ارتباط هذه الجملة بالّتي قبلها. انتهى «مناوي، وملا علي قاري» رحمهما الله تعالى.
(و) في «الإحياء» : (كان صلّى الله عليه وسلم أشدّ النّاس حياء) . قال في «المواهب» :
قال القرطبي؛ أي: في «شرح مسلم» : الحياء المكتسب: هو الذي جعله الشارع من الإيمان، وهو المكلّف به؛ دون الغريزي، غير أنّ من كان فيه غريزة منه؛ فإنّها تعينه على المكتسب حتّى يكاد يكون غريزة؛ قال:
وكان صلّى الله عليه وسلم قد جمع له النوعان؛ فكان في الغريزي أشدّ حياء من العذراء في خدرها.
وقال القاضي عياض في «الشّفاء» : وروي عنه صلّى الله عليه وسلم أنّه كان من حيائه (لا يثبّت) - بضمّ أوّله رباعيّ؛ لا بفتحها ثلاثي، لإيهامه العجز- (بصره) أي:
لا يديم نظره (في وجه أحد) ، ولا يتأمّله لاستيلاء الحياء عليه. فإثبات البصر بمعنى: إطالة النظر من غير تخلّل إغماض الجفن ونحوه؛ حتّى كأنّ بصره صار قارّا في المرئيّ.