للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان صلّى الله عليه وسلّم إذا صلّى بالنّاس الغداة أقبل عليهم بوجهه فقال: «هل فيكم مريض أعوده؟» ، فإن قالوا: لا..

قال: «فهل فيكم جنازة أتبعها؟» ، فإن قالوا: لا.. قال: «من رأى منكم رؤيا يقصّها علينا» .

كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أشدّ النّاس لطفا، والله؛ ما كان يمتنع في غداة باردة من عبد؛ ولا أمة أن يأتيه بالماء فيغسل صلّى الله عليه وسلم وجهه وذراعيه. وما سأله سائل قطّ إلّا أصغى إليه؛ فلا ينصرف حتّى يكون هو الّذي ينصرف، وما تناول أحد يده قطّ إلّا ناوله إيّاها، فلا ينزعها حتّى يكون هو الّذي ينزعها منه.

قال في «المواهب» : إنّ هذا كلّه من كثرة تواضعه صلّى الله عليه وسلم، لبروزه للناس وقربه وصبره على المشاقّ لأجل غيره؛ خصوصا امرأة في عقلها شيء. انتهى مع شيء من الشرح.

(و) أخرج ابن عساكر في «تاريخه» ؛ عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما قال: (كان صلّى الله عليه وسلم إذا صلّى بالنّاس الغداة) ؛ أي: الصبح (أقبل عليهم بوجهه؛ فقال: «هل فيكم مريض أعوده؟» ، فإن قالوا: لا؛ قال: «فهل فيكم جنازة أتبعها؟» ، فإن قالوا: لا؛ قال: «من رأى منكم رؤيا يقصّها علينا!» ) أي: لنعبّرها له، لأنّه محبّ لأصحابه؛ وسيّد العارفين بالتعبير، والمطلوب قصّ الرؤيا على حبيب عارف بالتعبير.

قال الحكيم الترمذيّ: كان شأن الرؤيا عنده عظيما؛ فلذلك كان يسأل عنها كلّ يوم، وذلك من إخبار الملكوت من الغيب، ولهم في ذلك نفع في أمر دينهم؛ بشرى كانت؛ أو نذارة؛ أو معاتبة. انتهى.

وقال القرطبيّ: إنّما كان يسألهم عن ذلك؟!! لما كانوا عليه من الصلاح والصدق، وعلم أنّ رؤياهم صحيحة؛ يستفاد منها الاطلاع على كثير من علم الغيب، وليسن لهم الاعتناء بالرؤيا والتشوّق لفوائدها، ويعلّمهم كيفية التعبير، وليستكثر من الاطلاع على الغيب.

<<  <  ج: ص:  >  >>