للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان صلّى الله عليه وسلّم لا يكاد يسأل شيئا إلّا فعله.

قال العراقي: هذا معلوم. ويدلّ عليه ما رواه الترمذيّ، وابن ماجه، والنسائي؛ من حديث ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما:

توفّي ودرعه مرهونة بعشرين صاعا من طعام أخذه لأهله.

وقال ابن ماجه: بثلاثين صاعا من شعير. وإسناده جيد.

وللبخاري؛ من حديث عائشة: توفي ودرعه مرهونة عند يهودي. انتهى

قلت: اليهودي هو أبو الشحم. والجمع بين الروايتين أنّه أخذ منه أوّلا عشرين؛ ثم عشرة، ثم رهنه إيّاها على الجميع، فمن روى العشرين لم يحفظ العشرة الآخرى، ومن روى الثلاثين حفظها، على أنّ روايتها أصحّ وأشهر، فكانت أولى بالاعتبار.

وهذا يدلّ على غاية تواضعه صلّى الله عليه وسلم، إذ لو سأل مياسير «١» أصحابه في رهن درعه لرهنوها على أكثر من ذلك، فإذا ترك سؤالهم وسأل يهوديا؛ ولم يبال بأنّ منصبه الشريف يأبى أن يسأل مثل يهودي في ذلك؛ فدلّ على غاية تواضعه وعدم نظره لحقوق مرتبته.

وفيه دليل على ضيق عيشه صلّى الله عليه وسلم، لكن عن اختيار؛ لا عن اضطرار، لأن الله فتح عليه في أواخر عمره من الأموال ما لا يحصى، وأخرجها كلّها في سبيل الله، وصبر هو وأهل بيته على مرّ الفقر والضيق والحاجة التامّة. انتهى؛ ذكره في شرح «الإحياء» المسمّى «إتحاف السادة المتقين» .

(و) أخرج الطبراني في «الكبير» ؛ عن طلحة رضي الله تعالى عنه:

(كان صلّى الله عليه وسلم لا يكاد يسأل) - بالبناء للمفعول- أي: لا يطلبه أحد (شيئا) من متاع الدنيا (إلّا فعله) . أي: جاد به على طالبه، لما طبع عليه من الجود، فإن لم


(١) جمع موسر، أو ميسور. أي أصحاب اليسار في النفقة أو السعة في الرزق.

<<  <  ج: ص:  >  >>