من الأعمال ما تطيقون؛ فوالله لا يملّ [الله] حتّى تملّوا» ، وكان أحبّ ذلك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ...
النساء!! إيماء لتعميم الحكم بتغليب الذكور على الإناث، أي: خذوا والزموا- (من الأعمال ما) - أي: العمل الذي- (تطيقون) الدوام عليه بلا ضرر، فمنطوقه يقتضي الأمر بالاقتصاد والاقتصار على ما يطاق من العبادة، ومفهومه يقتضي النهي عن تكليف ما لا يطاق.
قال الحافظ ابن حجر: سبب وروده خاصّ بالصلاة؛ لكن اللفظ عامّ، وهو المعتبر. ويؤخذ منه- كما قال القسطلاني-: وجه مناسبة هذا الحديث بما قبله وبما بعده بعنوان الباب.
(فو الله) فيه دلالة على جواز الحلف من غير استحلاف، إذا أريد به مجرّد التأكيد، وفي رواية: «فإنّ الله (لا يملّ) - وفي أخرى: «لا يملّ الله- (حتّى تملّوا» ) - بفتح أوّلهما وثانيهما؛ مع تشديد اللام فيهما- وفي رواية:«لا يسأم حتّى تسأموا» وهي مفسّرة للأولى، وإسناد الملل والسامة إلى الله تعالى من قبيل المشاكلة والازدواج؛ نحو نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ [٦٧/ التوبة] أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (٦٤)[الواقعة] لأن الملل مستحيل في حقّه تعالى، فإنّه فتور يعرض للنفس من كثرة مزاولة شيء، فيوجب الكلال في الفعل والإعراض عنه.
وهذا إنّما يتصوّر في حقّ من يتغيّر، والمراد لا يعرض الله عليكم، ولا يقطع ثوابه ورحمته عنكم حتّى تسأموا العبادة وتتركوها.
فهذا الحديث يقتضي أمرهم بالاقتصاد في العمل؛ دون الزيادة، لئلا يملّوا فيعرضوا فيعرض الله عنهم. وفيه الحثّ على الاقتصاد في العمل وكمال شفقة المصطفى صلى الله عليه وسلّم ورأفته؛ حيث أرشدهم لما يصلحهم مما يمكنهم المداومة عليه مع انبساط النفس وانشراح الصدر، لئلا يطيعوا باعث الشغف فيحمّلوا أنفسهم فوق ما يطيقون؛ فيؤدّي ذلك إلى عجزهم عن الطاعة. انتهى «مناوي» .
(وكان أحبّ ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم) أحبّ- بالرفع؛ أو النصب- فالأوّل