قال المناوي على «الجامع» : أي دعاء مقبولا، وأخذ ابن تيمية من مخاطبته للموتى أنّهم يسمعون، إذ لا يخاطب من لا يسمع، ولا يلزم منه أن يكون السمع دائما للميت، بل قد يسمع في حال؛ دون حال، كما يعرض للحيّ، فإنّه قد لا يسمع الخطاب لعارض، وهذا السمع سمع إدراك لا يترتّب عليه جزاء؛ ولا هو السمع المنفيّ في قوله إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى [٨٠/ النمل] ، إذ المراد به سمع قبول وامتثال أمر، ولذلك قال الحافظ السيوطي رحمه الله تعالى:
سماع موتى كلام الخلق قاطبة ... جاءت به عندنا الآثار في الكتب
وآية النّفي معناها سماع هدى ... لا يهتدون ولا يصغون للأدب
قال الحفني: وفي رواية: «إنّ من دخل الجبّانة؛ فقال (السّلام عليكم ورحمة الله دار قوم مؤمنين، وإنّا إن شاء الله بكم لا حقون، الّلهمّ ربّ هذه الأرواح الفانية، والأجساد البالية، والعظام النّخرة، والجلود الممزّقة الّتي خرجت من الدّنيا وهي بك مؤمنة؛ أنزل عليها رحمة من عندك وسلاما منّي) غفر له بعدد من مات من لدن خلق آدم إلى أن تقوم السّاعة» .
قال شيخنا: وهذا الغفران حاصل أيضا برواية المتن. انتهى كلام الحفني.
وقال المناوي على «الجامع» : جاء في كثير من الروايات أنّه كان إذا وقف على القبور؛ قال:«السّلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون» . قال البطليوسي: وهنا مما استعملت فيه «إن» مكان «إذا» ، فإنّ كلّا منهما يستعمل مكان الآخر. انتهى.
(قوله) في الحديث ( «الأرواح الفانية» ؛ أي: الفانية أجسادها) ، إذ الأرواح لا تفنى كما تقدّم، بل هي من الثمانية المستثناة في قول بعضهم:
ثمانية حكم البقاء يعمّها ... من الهلك والباقون في حيّز العدم