وكان آخر ما تكلّم به صلّى الله عليه وسلّم:«جلال ربّي الرّفيع، فقد بلّغت» ، ثمّ قضى صلّى الله عليه وسلّم.
(لا يبقينّ دينان) - بكسر الدال- (بأرض العرب» ) .
قال المناوي: وفي رواية: «بجزيرة العرب» انتهى.
أي: فهو نهي عن إقامة الكفّار فيها.
وفي المناوي على «الجامع» : وقد أخذ الأئمّة بهذا الحديث؛ فقالوا: يخرج من جزيرة العرب من دان بغير ديننا، لكنّ الشافعي خصّ المنع بالحجاز: وهو مكة والمدينة واليمامة وقراها؛ دون اليمن من أرض العرب. انتهى.
(و) أخرج الحاكم في «المستدرك» عن أنس رضي الله تعالى عنه قال:
(كان آخر ما تكلّم به صلى الله عليه وسلّم) مطلقا ( «جلال ربّي) - بالنصب- أي: أختار جلال ربّي (الرّفيع، فقد بلّغت» ) جميع ما أمرت بتبليغه فلا عذر لكم.
(ثمّ قضى) ؛ أي: مات (صلى الله عليه وسلّم) . ولا يناقضه ما سبق، لأنّ ذلك آخر وصاياه لأهله وأصحابه وولاة الأمور من بعده؛ وذا آخر ما نطق به.
قال السهيليّ: وجه اختيار هذه الكلمة من الحكمة أنّها تتضمن التوحيد والذكر بالقلب حتى يستفاد منه الرّخصة لغيره في النّطق، وأنّه لا يشترط الذكر باللّسان.
وأصل هذا الحديث في «الصحيحين» عن عائشة رضي الله تعالى عنها:
كان النبيّ صلى الله عليه وسلّم يقول وهو صحيح:«إنّه لم يقبض نبيّ حتّى يرى مقعده من الجنّة» ، ثمّ أفاق فأشخص بصره إلى سقف البيت، ثمّ قال:«اللهمّ الرّفيق الأعلى» . فعلمت أنّه لا يختارنا، وعرفت أنّه الحديث الّذي كان يحدّثنا وهو صحيح، والذي دعاه إلى ذلك رغبته في لقاء محبوبه، فلما عيّن للبقاء محلا خاصّا؛ ولا ينال إلا بالخروج من هذه الدّار التي تنافي ذلك اللّقاء اختار الرفيق الأعلى.