قال بعضهم: أدّبه باداب العبوديّة، وهذّبه بمكارم أخلاق الربوبيّة؛ لما أراد إرساله ليكون ظاهر عبوديّته مرآة للعالم؛ كقوله:«صلّوا كما رأيتموني أصلّي» وباطن حاله مرآة للصادقين في متابعته، وللصديقين في السير إليه؛ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [٣١/ آل عمران] .
وقال القرطبي: حفظه الله من صغره، وتولّى تأديبه بنفسه، ولم يكله في شيء من ذلك لغيره، ولم يزل الله يفعل ذلك به حتى كرّه إليه أحوال الجاهلية وحماه منها، فلم يجر عليه شيء منها، كلّ ذلك لطف به وعطف عليه، وجمع للمحاسن لديه. انتهى.
وقال بعضهم: أدّب الله روح رسوله وربّاها في محل القرب قبل اتصالها ببدنه باللّطف والهيبة؛ فتكامل له الأنس باللّطف، والأدب بالهيبة، واتصلت بعد ذلك بالبدن ليخرج من اتّصالها كمالات أخرى من القوّة إلى الفعل، وينال كلّ من الروح والبدن بواسطة الآخر من الكمال ما يليق بالحال، ويصير قدوة لأهل الكمال.
والأدب: استعمال ما يحمد قولا وفعلا. أو الأخذ بمكارم الأخلاق. أو الوقوف مع المستحسنات، أو تعظيم من فوقه مع الرفق بمن دونه، وقيل: غير ذلك.
والحديث المذكور رواه الإمام أبو سعد ابن السمعاني في كتاب «أدب الإملاء» عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله أدّبني فأحسن تأديبي، ثمّ أمرني بمكارم الأخلاق؛ فقال: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (١٩٩) » [الأعراف] .
قال السخاوي: سند هذا الحديث ضعيف جدّا، وإن اقتصر شيخنا- يعني الحافظ ابن حجر- على الحكم عليه بالغرابة؛ في بعض «فتاويه» !!. ولكن معناه صحيح.
ولذا جزم بحكايته ابن الأثير في خطبة «النهاية» وغيرها، ثمّ قال: