للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

.........

العلماء، فقال: الحيا- بالقصر- فرج الناقة، والذي في الحديث- بالمدّ- فرآه الثالثة وسأله: وقال: أنت قلت: «الحياء خير كلّه» ؟. فقال: نعم.

وينبغي أن يراعى فيه القانون الشرعي، فإنّ منه ما يذمّ كالحياء المانع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع وجود شروطه. فإن هذا جبن لا حياء، ومثله الحياء في العلم المانع من سؤاله عن مهمات الدّين إذا أشكلت عليه، ومن ثمّ قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: نعم النّساء نساء الأنصار؛ لم يمنعهنّ الحياء أن يتفقّهن في الدين، ولذا جاءت أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقالت: إنّ الله لا يستحي من الحقّ؛ فهل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال: «نعم؛ إذا رأت الماء» . وروى البيهقي عن الأصمعي أنه قال: من لم يتحمل ذلّ التّعلم ساعة بقي في ذلّ الجهل أبدا.

ومن لم يذق ذلّ التّعلّم ساعة ... تجرّع ذلّ الجهل طول حياته

وروى أيضا عن عمر قال: لا تتعلّم العلم لثلاث، ولا تتركه لثلاث: لا تتعلم العلم لتماري به، ولا لترائي به، ولا لتباهي به. ولا تتركه حياء من طلبه، ولا زهادة فيه، ولا رضا بجهالة.

وروى الترمذي أنّه صلى الله عليه وسلّم قال: «استحيوا من الله حقّ الحياء» ، قالوا: إنّا نستحي والحمد لله!! فقال: «ليس ذلك، ولكنّ الاستحياء من الله حقّ الحياء: أن تحفظ الرّأس وما وعى، والبطن وما حوى، وأن تذكر الموت والبلى، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حقّ الحياء» .

وأهل المعرفة في ذلك يتفاوتون بحسب تفاوت أحوالهم، وقد جمع الله سبحانه وتعالى لنبيّه صلى الله عليه وسلّم كمال الحياء بنوعيه، فكان في الحياء الغريزيّ أشدّ حياء من العذراء في خدرها، وكان في الكسبيّ واصلا إلى أعلى غايته وذروتها، والله أعلم.

والحديث المذكور رواه البخاريّ في ذكر بني إسرائيل عن أبي مسعود البدري رضي الله تعالى عنه بلفظ:

<<  <  ج: ص:  >  >>