واعلم أنّ النّصر مع الصّبر، وأنّ الفرج مع الكرب، ...
ومن ثمّ قال صلى الله عليه وسلم:«إنّ لكلّ شيء حقيقة، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتّى يعلم أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه» . رواه الإمام أحمد.
ففي ذلك حضّ على تفويض الأمور كلّها إلى الله تعالى، مع شهود أنّه الفاعل لما يشاء، وأن ما قضاه وأبرمه لا يمكن أن يتعدّى حدّه المقدّر له، وهذا راجع لقوله تعالى ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٢٢)[الحديد] ، وقُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ [١٥٤/ آل عمران] .
(واعلم) : تنبيه على أنّ الإنسان في هذه الدار؛ لا سيّما الصالحون معرّضون للمحن والمصائب وطروق المنغّصات والمتاعب. قال الله تعالى وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥)[البقرة] الآيات.
فينبغي للإنسان أن يصبر ويحتسب ويرضى بالقضاء والقدر، وينتظر وعد الله تعالى له بأنّ عليه صلوات من ربّه ورحمة، وبأنّه من المهتدين. (أنّ النّصر) من الله للعبد على جميع أعداء دينه ودنياه إنّما يوجد (مع الصّبر) على طاعته وعن معصيته.
قال صلى الله عليه وسلم:«لا تتمنّوا لقاء العدوّ، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا ولا تفرّوا، فإنّ الله مع الصّابرين» ، وكذلك الصبر على الأذى في مواطن يعقبه النّصر، قال تعالى وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (١٢٦)[النحل] ، وكَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٢٤٩)[البقرة] ومن خيريّته لهم كونه سببا لنصرهم على أعدائهم ونفوسهم.
(وأنّ الفرج) - بفتحتين-: وهو كشف الغمّ يحصل سريعا (مع الكرب) ؛ أي: يعقبه لا محالة، فلا دوام للكرب، وهو شدّة البلاء، فإذا اشتدّ البلاء أعقبه الله تعالى الفرج، كما جاء: اشتدّي أزمة تنفرجي.
وفيه إشارة إلى أنّ الله تعالى إذا أراد أن يفتح لعبده بابا من فضله ابتلاه بشيء من