للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنّ مع العسر يسرا» .

بلائه، ثمّ يخصّه بنعمة من نعمائه، وما رأيت شيئا من الامتحان إلّا ورأيت معه أو بعده من بوادر برّه ولطائف امتنانه سبحانه ما ينسيك ما أصابك من طوارق الحدثان.

نحمده على شمول النّعم ... حتّى لقد أبطنها في الألم

والحكمة في ذلك: أن يعرف قدر النّعمة وشرف الكرامة، فبمرارة الفراق يعرف حلاوة الوصال، وبحرارة الهجران يدرك راحة العرفان؛ فيحسن لمن نزل به كرب أن يكون صابرا محتسبا؛ راجيا سرعة الفرج ممّا نزل به، حسن الظّنّ بمولاه في جميع أموره، فالله سبحانه وتعالى أرحم به من كلّ راحم حتّى أمّه وأبيه؛ إذ هو سبحانه أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين.

(وأنّ مع العسر يسرا» ) كما نطق به قوله تعالى فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٦) [الانشراح] ، وقال تعالى سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً (٧) [الطلاق] .

وتنوين «يسرا» للتعظيم مبالغة، و «اليسر» هو السهولة، ومنه اليسار للغنى، لأنّه تسهل به الأمور، واليد اليسرى لأنّ الأمور تسهل بمعاونتها لليمنى، والعسر:

نقيضه.

فإن قلت: النّصر والفرج، واليسر بعد الصّبر، والكرب والعسر؛ لأنّهما يتواردان على المحل بالتناوب؛ فما معنى الاصطحاب المستفاد من «مع» ؟

فالجواب: أنّ المقصود المبالغة في معاقبة أحدهما الآخر واتصاله به، حتّى جعله كالمقارن له، وزيادة في التسلية والتنفيس.

فإن قلت: كيف الجمع بين قوله تعالى يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [١٨٥/ البقرة] وبين قوله تعالى فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٥) [الانشراح] ، فإنّ الآية الأولى تدلّ على عدم إرادة العسر، وما لا يريده الله تعالى لا يكون ولا يقع؛ إجماعا من أهل السنة، والآية الثانية تدلّ على وقوع العسر قطعا؟

فالجواب: أنّ المراد ب «العسر» في الآية الأولى: العسر في الأحكام

<<  <  ج: ص:  >  >>